اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 64
عامله الذي هو «تكون»، و أن لم يقل: فلو تكون عن الأهواز داري بنجوة
إذ نبا دهر، ثم أن ساق هذا التنكير في جميع ما أتى به من بعد، ثم أن قال: «و أنكر
صاحب» و لم يقل: و أنكرت صاحبا، لا ترى في البيتين الأوّلين شيئا غير الذي عددته
لك تجعله حسنا في «النظم»، و كله من معاني النحو كما ترى. و هكذا السبيل أبدا في
كل حسن و مزية رأيتهما قد نسبا إلى «النظم»، و فضل، و شرف أحيل فيهما عليه.
فصل «في أن هذه المزايا في
النظم، بحسب المعاني و الأغراض التي تؤمّ».
و إذ قد عرفت أنّ مدار أمر «النظم»
على معاني النحو، و على الوجوه و الفروق التي من شأنها أن تكون فيه، فاعلم أنّ
الفروق و الوجوه كثيرة ليس لها غاية تقف عندها، و نهاية لا تجد لها ازديادا بعدها،
ثمّ اعلم أن ليست المزيّة بواجبة لها في أنفسها، و من حيث هي على الإطلاق، و لكن
تعرض بسبب المعاني و الأغراض التي يوضع لها الكلام، ثم بحسب موقع بعضها من بعض، و
استعمال بعضها مع بعض.
تفسير هذا: أنه ليس إذا راقك
التنكير في «سؤدد» من قوله «تنقّل في خلقي سؤدد»، و في «دهر» من قوله: «فلو إذ نبا
دهر»، فإنه يجب أن يروقك أبدا و في كل شيء، و لا إذا استحسنت لفظ ما لم يسمّ
فاعله في قوله «و أنكر صاحب»، فإنه ينبغي أن لا تراه في مكان إلا أعطيته مثل
استحسانك هاهنا، بل ليس من فضل و مزيّة إلا بحسب الموضع، و بحسب المعنى الذي تريد
و الغرض الذي تؤمّ. و إنما سبيل هذه المعاني سبيل الأصباغ التي تعمل منها الصور و
النقوش، فكما أنك ترى الرجل قد تهدّى في الأصباغ التي عمل منها الصّورة و النقش في
ثوبه الذي نسج، إلى ضرب من التخيّر و التدبّر في أنفس الأصباغ و في مواقعها و
مقاديرها و كيفية مزجه لها و ترتيبه إياها، إلى ما لم يتهدّ إليه صاحبه، فجاء نقشه
من أجل ذلك أعجب، و صورته أغرب، كذلك حال الشاعر و الشاعر في توخّيهما معاني
النّحو و وجوهه التي علمت أنها محصول «النّظم».
و اعلم أنّ من الكلام ما أنت ترى
المزيّة في نظمه و الحسن، كالأجزاء من الصّبغ تتلاحق و ينضمّ بعضها إلى بعض حتى
تكثر في العين، فأنت لذلك لا تكبر شأن
[1] كلمة وردت سابقا في أبيات البحتري «و دهر» و ردت في أبيات
الصولي.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 64