اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 63
بلونا ضرائب من قد نرى
فما إن رأينا لفتح ضريبا
هو المرء أبدت له الحادثا
ت عزما و شيكا و رأيا صليبا
تنقّل في خلقي سؤدد
سماحا مرجّا و بأسا مهيبا
فكالسّيف إن جئته صارخا،
و كالبحر إن جئته مستثيبا
فإذا رأيتها قد راقتك و كثرت عندك،
و وجدت لها اهتزازا في نفسك، فعد فانظر في السبب و استقص في النظر، فإنك تعلم
ضرورة أن ليس إلا أنه قدّم و أخّر، و عرّف و نكّر، و حذف و أمر، و أعاد و كرّر، و
توخّى على الجملة وجها من الوجوه التي يقتضيها «علم النحو»، فأصاب في ذلك كله، ثم
لطّف موضع صوابه، و أتى مأتى يوجب الفضيلة.
أ فلا ترى أن أول شيء يروقك منها
قوله: «هو المرء أبدت له الحادثات»، ثم قوله: «تنقّل في خلقي سؤدد» بتنكير
«السؤدد» و إضافة «الخلقين» إليه، ثم قوله:
«فكالسيف» و عطفه بالفاء مع حذفه المبتدأ، لأن المعنى لا محالة:
فهو كالسيف ثم تكريره «الكاف» في قوله: «و كالبحر»، ثم أن قرن إلى كل واحد من
التشبيهين شرطا جوابه فيه، ثم أن أخرج من كل واحد من الشرطين حالا على مثال ما
أخرج من الآخر، و ذلك قوله «صارخا» هناك «و مستثيبا» هاهنا؟ لا ترى حسنا تنسبه إلى
النظم ليس سببه ما عددت، أو ما هو في حكم ما عددت، فاعرف ذلك.
و إن أردت أظهر أمرا في هذا
المعنى، فانظره إلى قول إبراهيم بن العباس:
فلو إذ نبا دهر، و أنكر صاحب،
و سلّط أعداء، و غاب نصير
تكون عن الأهواز داري بنجوة،
و لكن مقادير جرت و أمور
و إنّي لأرجو بعد هذا محمّدا
لأفضل ما يرجى أخ و وزير
فإنك ترى ما ترى من الرّونق و
الطّلاوة، و من الحسن و الحلاوة، ثم تتفقّد السبب في ذلك، فتجده إنّما كان من أجل
تقديمه الظرف الذي هو «إذ نبا» على
[1] الأبيات في ديوانه، في مدح الفتح بن خاقان، و الضرائب جمع ضريبة
و هي الطبيعة و السّجية و هذه ضريبته التي ضرب عليها و هي الخليقة. يقال: خلق
الناس على ضرائب شتى. و إنه لكريم الضرائب. و الضريب: الشكل في القدّ و الخلق،
يقال: فلان ضريب فلان أي: نظيره و ضريب الشكل مثله و شكله. و المستثيب: طالب
الثواب.
[2] في ديوانه قالها لمّا عزل عن الأهواز في أيّام محمد بن عبد
الملك الزّيات. الأغاني (10/ 61، 62). و النجوة: ما ارتفع من الأرض فلم يعله
السّيل، و الأهواز سبع كور بين البصرة و فارس، لكل كورة منها اسم و يجمعهن الأهواز
..
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 63