اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 56
سالت عليه شعاب الحيّ حين دعا
أنصاره، بوجوه كالدّنانير
أراد أنّه مطاع في الحيّ، و أنهم
يسرعون إلى نصرته، و أنه لا يدعوهم لحرب أو نازل خطب، إلا أتوه و كثروا عليه، و
ازدحموا حواليه، حتى تجدهم كالسيول تجيء من هاهنا و هاهنا، و تنصبّ من هذا المسيل
و ذلك، حتى يغصّ به الوادي و يطفح منها.
و من بديع الاستعارة و نادرها، إلا
أنّ جهة الغرابة فيه غير جهتها في هذا، قول يزيد بن مسلمة بن عبد الملك يصف فرسا
له، و أنّه مؤدّب، و أنه إذا نزل عنه و ألقى عنانه في قربوس سرجه، وقف مكانه إلى
أن يعود إليه: [من الكامل]
عوّدته فيما أزور حبائبي
إهماله، و كذاك كلّ مخاطر
و إذا اختبى قربوسه بعنانه
علك الشّكيم إلى انصراف الزّائر
فالغرابة هاهنا في الشبه نفسه، و
في أن استدرك أنّ هيئة العنان في موقعه من قربوس السرج، كالهيئة في موضع الثّوب من
ركبة المحتبي.
و ليست الغرابة في قوله: [من الطويل]
و سالت بأعناق المطيّ الأباطحعلى هذه
الجملة، و ذلك أنه لم يغرب لأن جعل المطيّ في سرعة سيرها و سهولته كالماء يجري في
الأبطح، فإنّ هذا شبه معروف ظاهر، و لكن الدّقة و اللطف في خصوصيّة أفادها، بأن
جعل «سال» فعلا للأباطح، ثم عدّاه بالباء، بأن أدخل الأعناق في البين،: فقال
«بأعناق المطيّ»، و لم يقل: «بالمطيّ»، و لو قال: «سالت المطيّ في الأباطح»، لم
يكن شيئا.
و كذلك الغرابة في البيت الآخر،
ليس في مطلق معنى «سال»، و لكن في تعديته
[1] هو لابن المعتز في الإيضاح
[265] ، و ينسب أيضا إلى محرز بن
المكعبر، ولد حاجة بن عبد قيس التيمي، و هو بلا نسبة في أساس البلاغة (سهل)، و
قيل: لسبيع بن الخطيم التيمي، و انظر المؤتلف و المختلف للآمدي
[112] .
[2] البيتان ليزيد بن مسلمة، و الثاني منهما في عروس الأفراح، و
الإيضاح
[264] ، و القربوس: حنو السّرج، و جمعه: قرابيس، و الشكيم و الشكيمة في
اللجام: الحديدة المعترضة في فم الفرس. اه القاموس/ شكم/
[1455] .