responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 55

غفلا. و ذلك أنك لا تدّعي شاهد الصفة و دليلها إلّا و الأمر ظاهر معروف، و بحيث لا يشكّ فيه، و لا يظنّ بالمخبر التجوّز و الغلط.

و أمّا «الاستعارة»، فسبب ما ترى لها من المزيّة و الفخامة، أنك إذا قلت:

«رأيت أسدا»، كنت قد تلطّفت لما أردت إثباته له من فرط الشجاعة، حتى جعلتها كالشي‌ء الذي يجب له الثّبوت و الحصول، و كالأمر الذي نصب له دليل يقطع بوجوده. و ذلك أنه إذا كان أسدا، فواجب أن تكون له تلك الشجاعة العظيمة، و كالمستحيل أو الممتنع أن يعرى عنها. و إذا صرّحت بالتشبيه فقلت: «رأيت رجلا كالأسد»، و كنت قد أثبتها إثبات الشي‌ء يترجّح بين أن يكون و بين أن لا يكون، و لم يكن من حديث الوجوب في شي‌ء.

و حكم «التمثيل»، حكم «الاستعارة» سواء، فإنك إذا قلت: «أراك تقدّم رجلا و تؤخّر أخرى»، فأوجبت له الصورة التي يقطع معها بالتحيّر و التردد، كان أبلغ لا محالة من أن تجري على الظاهر. فتقول: قد جعلت تتردّد في أمرك، فأنت كمن يقول: أخرج و لا أخرج، فيقدّم رجلا و يؤخّر أخرى.

[فصل: في تفاوت الكناية و الاستعارة و التمثيل‌]

اعلم أنّ من شأن هذه الأجناس أن تجري فيها الفضيلة، و أن تتفاوت التفاوت الشديد. أ فلا ترى أنك تجد في الاستعارة العاميّ المبتذل، كقولنا: «رأيت أسدا، و وردت بحرا، و لقيت بدرا». و الخاصّيّ النادر الذي لا تجده إلّا في كلام الفحول، و لا يقوى عليه إلّا أفراد الرجال، كقوله: [من الطويل‌] و سالت بأعناق المطيّ الأباطح‌ أراد أنها سارت سيرا حثيثا في غاية السرعة، و كانت سرعة في لين و سلاسة، حتى كأنها كانت سيولا وقعت في تلك الأباطح فجرت بها.

و مثل هذه الاستعارة في الحسن و اللّطف و علوّ الطبقة في هذه اللفظة بعينها قول الآخر: [من البسيط]


[1] البيت لكثير عزة في ديوانه و صدره:

أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا و في زهر الآداب (ص 349)، و بلا نسبة في اللسان (طرف)، و في الإيضاح [264] ، و عروس الأفراح كلاهما بتحقيق د. عبد الحميد هنداوي، و أساس البلاغة (سيل)، و تاج العروس (طرف) و معجم البلدان (منى). و الأبطح: مسيل واسع فيه دقاق الحصى. اللسان (بطح).

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 55
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست