اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 361
وجوده، و أنه قد كان منه، يبيّن ذلك أنك تقول: «أمرت زيدا بأن يخرج
غدا»، و لا تقول: «أمرته بخروجه غدا».
و مما فيه خطأ هو في غاية الخفاء
قوله: [من البسيط]
و لا تشكّ إلى خلق فتشمته
شكوى الجريح إلى الغربان و الرّخم
و ذلك أنك إذا قلت: «لا تضجر ضجر
زيد»، كنت قد جعلت زيدا يضجر ضربا من الضّجر، مثل أن تجعله يفرط فيه أو يسرع إليه.
هذا هو موجب العرف. ثم إن لم تعتبر خصوص وصف، فلا أقلّ من أن تجعل الضّجر على
الجملة من عادته، و أن تجعله قد كان منه. و إذا كان كذلك، اقتضى قوله:
شكوى الجريح إلى الغربان و الرّخم
أن يكون هاهنا «جريح»، قد عرف من حاله أن يكون له «شكوى إلى الغربان و الرخم»، و
ذلك محال. و إنما العبارة الصحيحة في هذا أن يقال: «لا تشكّ إلى خلق، فإنك إن فعلت
كان مثل ذلك أن تصوّر في و همك أن بعيرا دبرا كشف عن جرحه، ثم شكاه إلى الغربان و
الرّخم».
و من ذلك أنك ترى من العلماء من قد
تأوّل في الشيء تأويلا و قضى فيه بأمر، فتعتقده اتّباعا له، و لا ترتاب أنه على
ما قضى و تأوّل، و تبقى على ذلك الاعتقاد الزّمان الطويل، ثم يلوح لك ما تعلم به
أن الأمر على خلاف ما قدّر. و مثال ذلك أن أبا القاسم الآمديّ، ذكر بيت البحتري:
[من البسيط]
فصاغ ما صاغ من تبر و من ورق
و حاك ما حاك من وشي و ديباج
ثم قال: «صوغ الغيث و حوكه للنبات
ليس باستعارة، بل هو حقيقة، و لذلك لا يقال: «هو صائغ» و لا «كأنه صائغ»، و كذلك
لا يقال: «هو حائك»
[1] البيت لأبي الطيب المتنبي في ديوانه (2/ 262) من قصيدة قالها
بالكوفة يرثي أبا شجاع فاتك و يذكر مسيره من مصر. و مطلعها: