اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 36
و اعلم أنه لا سبيل إلى أن تعرف صحّة هذه الجملة حتى يبلغ القول
غايته، و ينتهي إلى آخر ما أردت جمعه لك، و تصويره في نفسك، و تقريره عندك.
إلّا أن هاهنا نكتة، إن أنت
تأملتها تأمّل المتثبّت، و نظرت فيها نظر المتأنّي، رجوت أن يحسن ظنّك، و أن تنشط
للإصغاء إلى ما أورده عليك، و هي أنّا إذا سقنا دليل الإعجاز فقلنا: لو لا أنهم
حين سمعوا القرآن، و حين تحدّوا إلى معارضته، سمعوا كلاما لم يسمعوا قطّ مثله، و
أنهم رازوا أنفسهم فأحسّوا بالعجز عن أن يأتوا بما يوازيه أو يدانيه أو يقع قريبا
منه لكان محلا أن يدعوا معارضته و قد تحدّوا إليه، و قرّعوا فيه، و طولبوا به، و
أن يتعرّضوا لشبا الأسنّة و يقتحموا موارد الموت.
فقيل لنا: قد سمعنا ما قلتم،
فخبّرونا عنهم، عمّا ذا عجزوا؟ أ عن معان من دقة معانية و حسنها و صحّتها في
العقول؟ أم عن ألفاظ مثل ألفاظه؟ فإن قلتم: عن الألفاظ، فما ذا أعجزهم من اللّفظ،
أم ما بهرهم منه؟.
فقلنا: أعجزتهم مزايا ظهرت لهم في
نظمه، و خصائص صادفوها في سياق لفظه، و بدائع راعتهم من مبادئ آية و مقاطعها، و
مجاري ألفاظها و مواقعها، و في مضرب كل مثل، و مساق كل خبر، و صورة كل عظة و
تنبيه، و إعلام و تذكير، و ترغيب و ترهيب، و مع كل حجّة و برهان، و صفة و تبيان.
و بهرهم أنهم تأملوه سورة سورة، و
عشرا عشرا، و آية آية، فلم يجدوا في الجميع كلمة ينبو بها مكانها، و لفظة ينكر شأنها،
أو يرى أن غيرها أصلح هناك أو أشبه، أو أحرى و أخلق، بل وجدوا اتساقا بهر العقول،
و أعجز الجمهور، و نظاما و التئاما، و إتقانا و إحكاما، لم يدع في نفس بليغ منهم،
و لو حكّ بيافوخه السماء، موضع طمع، حتى خرست الألسن عن أن تدّعي و تقول، و خذيت
القروم فلم تملك أن تصول.
نعم، فإذا كان هذا هو الذي يذكر في
جواب السائل، فبنا أن ننظر: أيّ أشبه بالفتى في عقله و دينه، و أزيد له في علمه و
يقينه، أ أن يقلّد في ذلك، و يحفظ متن الدليل و ظاهر لفظه، و لا يبحث عن تفسير
المزايا و الخصائص ما هي؟ و من أين
[1] راز الشيء اختبره و امتحنه و جرّبه. انظر القاموس
[659] مادة/
روز/.
[2] أي حدّها و طرفها الذي يصيب و يقتل. و الشبا: حدّ كل شيء.
انظر القاموس. مادة/ شبا/
[1674] .