responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 354

فيما بين شيئين، و الأصل و الأوّل هو «الخبر»، و إذا أحكمت العلم بهذا المعنى فيه عرفته في الجميع. و من الثّابت في العقول و القائم في النفوس، أنه لا يكون خبر حتى يكون مخبر به و مخبر عنه، لأنه ينقسم إلى «إثبات» و «نفي»، و «الإثبات» يقتضي مثبتا و مثبتا له، و «النفي» يقتضي منفيّا و منفيّا عنه. فلو حاولت أن تتصوّر إثبات معنى أو نفيه، من غير أن يكون هناك مثبت له و منفيّ عنه، حاولت ما لا يصحّ في عقل، و لا يقع في وهم. من أجل ذلك امتنع أن يكون لك قصد إلى فعل من غير أن تريد إسناده إلى شي‌ء، و كنت إذا قلت: «ضرب»، لم تستطع أن تريد منه معنى في نفسك، من غير أن تريد الخبر به عن شي‌ء مظهر أو مقدّر، و كان لفظك به، إذا أنت لم ترد ذلك، و صوتا تصوّته، سواء.

و إن أردت أن يستحكم معرفة ذلك في نفسك، فانظر إليك إذا قيل لك: «ما فعل زيد»؟ فقلت: «خرج»، هل يتصوّر أن يقع في خلدك من «خرج» معنى من دون أن تنوي فيه ضمير «زيد»؟ و هل تكون إن أنت زعمت أنك لم تنو ذلك إلّا مخرجا نفسك إلى الهذيان؟ و كذلك فانظر إذا قيل لك: «كيف زيد»؟، فقلت: «صالح»:

هل يكون لقولك: «صالح» أثر في نفسك من دون أن تريد «هو صالح»؟ أم هل يعقل السامع شيئا إن هو لم يعتقد ذلك؟

إذا ثبت ذلك، فإنه ما لا يبقى معه لعاقل شكّ، أنّ الخبر معنى لا يتصوّر إلا بين شيئين يكون أحدهما مثبتا، و الآخر مثبتا له، أو يكون أحدهما منفيّا، و الآخر منفيّا عنه و أنه لا يتصور مثبت من غير مثبت له، و منفيّ من دون منفيّ عنه. فلما كان الأمر كذلك، أوجب ذلك أن لا يعقل إلا من مجموع جملة فعل و اسم، كقولنا: «خرج زيد»، أو اسم و اسم، كقولنا: «زيد منطلق». فليس في الدّنيا خبر يعرف من غير هذا السبيل، و بغير هذا الدليل، و هو شي‌ء يعرفه العقلاء في كل جيل و أمّة، و حكم يجري عليه الأمر في كل لسان و لغة.

و إذ قد عرفت أنه لا يتصوّر الخبر إلا فيما بين شيئين: مخبر به و مخبر عنه، فينبغي أن تعلم أنه يحتاج من بعد هذين إلى ثالث، و ذلك أنه كما لا يتصوّر أن يكون هاهنا خبر حتى يكون مخبر به و مخبر عنه، و كذلك لا يتصوّر حتّى يكون له مخبر يصدر عنه و يحصل من جهته، و تعود التّبعة فيه عليه، فيكون هو الموصوف بالصّدق إن كان صدقا، و بالكذب إن كان كذبا. أ فلا ترى أن من المعلوم ضرورة أنه لا يكون إثبات و نفي، حتى يكون مثبت و ناف يكون مصدرهما من جهته، و يكون‌

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 354
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست