responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 355

هو المزجيّ لهما، و المبرم و الناقض فيهما. و يكون بهما موافقا و مخالفا، و مصيبا و مخطئا، و مسيئا و محسنا.

و جملة الأمر أن الخبر و جميع معاني الكلام معان ينشئها الإنسان في نفسه، و يصرّفها في فكره، و يناجي بها قلبه، و يراجع فيها عقله، و توصف بأنّها مقاصد و أغراض. و أعظمها شأنا الخبر، فهو الذي يتصوّر بالصّور الكثرة، و تقع فيه الصناعات العجيبة، و فيه تكون المزايا التي بها يقع التفاضل في الفصاحة على ما شرحنا.

ثم إنّا نظرنا في المعاني التي يصفها العقلاء بأنها معان مستنبطة.، و لطائف مستخرجة و يجعلون لها اختصاصا بقائل دون قائل، و كمثل قولهم في معاني أبيات من الشعر: «إنه معنى لم يسبق إليه فلان، و أنه الذي فطن له و استخرجه، و أنه الذي غاص عليه بفكره، و أنّه أبو عذره، لم تجد تلك المعاني في الأمر الأعمّ شيئا غير الخبر الذي هو إثبات المعنى للشي‌ء و نفيه عنه. يدلّك على ذلك أنك لا تنظر إلى شي‌ء من المعاني الغريبة التي تختصّ بقائل دون قائل، إلّا وجدت الأصل فيه و الأساس الإثبات و النّفي. و إن أردت في ذلك مثالا فانظر إلى بيت الفرزدق: [من الطويل‌]

و ما حملت أمّ امرئ في ضلوعها

أعقّ من الجاني عليها هجائيا

فإنك إذا نظرت لم تشكّ في أن الأصل و الأساس هو قوله: «و ما حملت أم امرئ»، و أن ما جاوز ذلك من الكلمات إلى آخر البيت، مستند إليه و مبنيّ عليه، و أنك إن رفعته لم تجد لشي‌ء منها بيانا، و لا رأيت لذكرها معنى، بل ترى ذكرك لها إن ذكرتها هذيانا. و السّبب الذي من أجله كان كذلك، أن من حكم كلّ ما عدا جزئي الجملة «الفعل و الفاعل» و «المبتدأ و الخبر»، أن يكون تخصيصا للمعنى المثبت أو المنفي، فقوله: «في ضلوعها»، يفيد أوّلا أنه لم يرد نفي الحمل على الإطلاق، و لكن الحمل في الضّلوع، و قوله: «أعقّ»، يفيد أنّه لم يرد هذا الحمل الذي هو حمل في الضّلوع أيضا على الإطلاق، و لكن حملا في الضلوع محموله أعقّ من الجاني عليها هجاءه. و إذا كان ذلك كلّه تخصيصا للحمل، لم يتصوّر أن يعقل من دون أن يعقل نفي الحمل، لأنه لا يتصوّر تخصيص شي‌ء لم يدخل في نفي و لا إثبات، و لا ما كان في سبيلهما من الأمر به، و النهي عنه، و الاستخبار عنه.

و إذ قد ثبت أن الخبر و سائر معاني الكلام، معان ينشئها الإنسان في نفسه، و يصرّفها في فكره، و يناجي بها قلبه، و يراجع فيها لبّه، فاعلم أن الفائدة في العلم بها


[1] سبق تخريجه (ص 342).

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 355
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست