responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 353

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‌

[فصل‌]

و به ثقتي و عليه اعتمادي اعلم أنّ هاهنا أصلا أنت ترى الناس فيه في صورة من يعرف من جانب و ينكر من آخر، و هو أن الألفاظ المفردة التي هي أوضاع اللغة، لم توضع لتعرف معانيها في أنفسها، و لكن لأن يضمّ بعضها إلى بعض، فيعرف فيما بينهما فوائد. و هذا علم شريف، و أصل عظيم.

و الدليل على ذلك، أنّا إن زعمنا أن الألفاظ، التي هي أوضاع اللغة، إنما وضعت ليعرف بها معانيها في أنفسها، لأدّى ذلك إلى ما لا يشك عاقل في استحالته، و هو أن يكونوا قد وضعوا للأجناس الأسماء التي وضعوها لها لتعرفها بها، حتى كأنهم لو لم يكونوا قالوا: «رجل» و «فرس» و «دار»، لما كان يكون لنا علم بهذه الأجناس و لو لم يكونوا وضعوا أمثلة الأفعال لما كان لنا علم بمعانيها حتى لو لم يكونوا قالوا:

«فعل» و «يفعل»، لما كنّا نعرف الخبر في نفسه و من أصله- و لو لم يكونوا قد قالوا:

«افعل»، لما كنّا نعرف الأمر من أصله، و لا نجده في نفوسنا و حتى لو لم يكونوا قد و ضعوا الحروف، لكنا نجهل معانيها، فلا نعقل نفيا و لا نهيا و لا استفهاما و لا استثناء. كيف؟ و المواضعة لا تكون و لا تتصوّر إلا على معلوم، فمحال أن يوضع اسم أو غير اسم لغير معلوم، لأن المواضعة كالإشارة، فكلما أنّك إذا قلت: «خذ ذاك»، لم تكن هذه الإشارة لتعرّف السامع المشار إليه في نفسه، و لكن ليعلم أنّه المقصود من بين سائر الأشياء التي تراها و تبصرها. كذلك حكم «اللفظ» مع ما وضع له. و من هذا الذي يشكّ أنا لم نعرف «الرجل» و «الفرس» و «الضرب» و «القتل» إلّا من أساميها؟ لو كان لذلك مساغ في العقل، لكان ينبغي إذا قيل: «زيد» أن تعرف المسمّى بهذا الاسم من غير أن تكون قد شاهدته أو ذكر لك بصفة.

و إذا قلنا في العلم باللغات من مبتدأ الأمر أنه كان إلهاما، فإن الإلهام لا يرجع إلى معاني اللغات، و لكن إلى كون ألفاظ اللّغات سمات لتلك المعاني، و كونها مرادة بها. أ فلا ترى إلى قوله تعالى: وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ‌ [البقرة: 31]، أ فترى أنه قيل لهم:

«أنبئوني بأسماء هؤلاء»، و هم لا يعرفون المشار إليهم بهؤلاء؟

و إذ قد عرفت هذه الجملة، فاعلم أن معاني الكلام كلّها معان لا تتصوّر إلا

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 353
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست