اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 352
فصل
و إذا ثبت أن الجملة إذا بني عليها
حصل منها و من الذي بني عليها في الكثير، معنى يجب فيه أن ينسب إلى واحد مخصوص،
فإنّ ذلك يقتضي لا محالة أن يكون «الخبر» في نفسه معنى هو غير المخبر به و المخبر
عنه. ذاك لعلمنا باستحالة أن يكون للمعنى المخبر به نسبة إلى المخبر، و أن يكون
المستنبط و المستخرج و المستعان على تصويره بالفكر. فليس يشكّ عاقل أنه محال أن
يكون للحمل في قوله:
و ما حملت أمّ امرئ في ضلوعهانسبة إلى الفرزدق، و أن يكون الفكر منه كان فيه نفسه، و أن يكون
معناه الذي قيل إنّه استنبطه و استخرجه و غاص عليه. و هكذا السبيل أبدا، لا يتصوّر
أن يكون للمعنى المخبر به نسبة إلى الشاعر، و أن يبلغ من أمره أن يصير خاصّا به،
فاعرفه.
و من الدليل القاطع فيه، ما
بيّنّاه في «الكناية»، و «الاستعارة» و «التمثيل» و شرحناه، من أن من شأن هذه
الأجناس أن توجب الحسن و المزية، و أنّ المعاني تتصوّر من أجلها بالصّور المختلفة،
و أن العلم بإيجابها ذلك ثابت في العقول، و مركوز في غرائز النفوس. و بيّنّا كذلك
أنه محال أن تكون المزايا التي تحدث بها، حادثة في المعنى المخبر به، المثبت أو
المنفيّ، لعلمنا باستحالة أن تكون المزيّة التي تجدها لقولنا: «هو طويل النجاد»
على قولنا «طويل القامة» في الطول، و التي تجدها لقولنا: «هو كثير رماد القدر» على
قولنا: «هو كثير القرى و الضيافة» في كثرة القرى. و إذا كان ذلك محالا، ثبت أن
المزيّة و الحسن يكونان في إثبات ما يراد أن وصف به المذكور، و الإخبار به عنه. و
إذا ثبت ذلك، ثبت أنّ «الإثبات» معنى، لأن حصول المزيّة و الحسن فيما ليس بمعنى،
محال.
هذا ممّا نقل من مسودّته بخطّه بعد
وفاته رحمه اللّه.