responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 264

من أجل ذلك كأنّها لفظة واحدة؟ فإن كنت لا تشكّ أن الاتّحاد الذي تراه هو في المعاني، إذ كان من فساد العقل، و من الذّهاب في الخبل، أن يتوهّم متوهّم أن الألفاظ يندمج بعضها في بعض حتى تصير لفظة واحدة.

فقد أراك ذلك، إن لم تكابر عقلك، أن «النظم» يكون في معاني الكلم دون ألفاظها، و أن نظمها هو توخّي معاني النحو فيها. و ذلك أنه إذا ثبت الاتّحاد، و ثبت أنه في المعاني، فينبغي أن تنظر إلى الذي به اتّحدت المعاني في بيت بشّار. و إذا نظرنا لم نجدها اتّحدت إلّا بأن جعل «مثار النقع» اسم «كأن»، و جعل الظّرف الذي هو «فوق رءوسنا» معمولا «لمثار» و معلّقا به، و أشرك «الأسياف» في «كأن» بعطفه لها على «مثار»، ثم بأن قال: «ليل تهاوى كواكبه»، فأتى بالليل نكرة، و جعل جملة قوله: «تهاوى كواكبه» له صفة، ثم جعل مجموع: «ليل تهاوى كواكبه»، خبرا «لكأنّ».

فانظر هل ترى شيئا كان الاتّحاد به غير ما عدّدناه؟ و هل تعرف له موجبا سواه؟

فلو لا الإخلاد إلى الهوينا، و ترك النّظر و غطاء ألقي على عيون أقوام، لكان ينبغي أن يكون في هذا وحده الكفاية و ما فوق الكفاية. و نسأل اللّه تعالى التوفيق.

و اعلم أن الذي هو آفة هؤلاء الذين لهجوا بالأباطيل في أمر «اللفظ» أنهم قوم قد أسلموا أنفسهم إلى التّخيّل، و ألقوا مقادتهم إلى الأوهام، حتى عدلت بهم عن الصواب كلّ معدل، و دخلت بهم من فحش الغلط في كلّ مدخل، و تعسّفت بهم في كلّ مجهل، و جعلتهم يرتكبون في نصرة رأيهم الفاسد القول بكلّ محال، و يقتحمون في كلّ جهالة، حتى أنك لو قلت لهم: إنه لا يتأتّى للناظم نظمه إلّا بالفكر و الرويّة، فإذا جعلتم «النظم» في الألفاظ، لزمكم من ذلك أن تجعلوا فكر الإنسان إذا هو فكّر في نظم الكلام، فكرا في الألفاظ التي يريد أن ينطق بها دون المعاني لم يبالوا أن يرتكبوا ذلك، و أن يتعلّقوا فيه بما في العادة و مجرى الجبلّة من أن الإنسان يخيّل إليه إذا هو فكّر، أنه كأنّه ينطق في نفسه بالألفاظ التي يفكر في معانيها، حتى يرى أنّه يسمعها سماعة لها حين يخرجها من فيه، و حين يجري بها اللسان.

و هذا تجاهل، لأنّ سبيل ذلك سبيل إنسان يتخيّل دائما في الشي‌ء قد رآه و شاهده أنه كأنّه يراه و ينظر إليه، و أنّ مثاله نصب عينيه. فكما لا يوجب هذا أن‌


[1] تعظّم. اللسان مادة «كبر» (5/ 129).

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 264
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست