responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 265

يكون رائيا له، و أن يكون الشي‌ء موجودا في نفسه، كذلك لا يكون تخيّله أنّه كأنّه ينطق بالألفاظ، موجبا أن يكون ناطقا بها، و أن تكون موجودة في نفسه، حتّى يجعل ذلك سببا إلى جعل الفكر فيها.

ثمّ إنّا نعمل على أنه ينطق بالألفاظ في نفسه، و أنه يجدها فيها على الحقيقة، فمن أين لنا أنه إذا فكر كان الفكر منه فيها؟ أم ما ذا يروم، ليت شعري، بذلك الفكر؟

و معلوم أن الفكر من الإنسان يكون في أن يخبر عن شي‌ء بشي‌ء، أو يصف شيئا بشي‌ء، أو يضيف شيئا إلى شي‌ء، أو يشرك شيئا في حكم شي‌ء، أو يخرج شيئا من حكم قد سبق منه لشي‌ء، أو يجعل وجود شي‌ء شرطا في وجود شي‌ء، و على هذا السبيل؟ و هذا كلّه فكر في أمور معقولة زائدة على اللفظ.

و إذا كان هذا كذلك، لم يخل هذا الذي يجعل في الألفاظ فكرا من أحد أمرين: إمّا أن يخرج هذه المعاني من أن يكون لواضع الكلام فيها فكر و يجعل الفكر كلّه في الألفاظ و إمّا أن يجعل له فكرا في اللفظ مفردا عن الفكرة في هذه المعاني.

فإن ذهب إلى الأوّل لم يكلّم، و إن ذهب إلى الثاني لزمه أن يجوّز وقوع فكر من الأعجمي الذي لا يعرف معاني ألفاظ العربية أصلا، في الألفاظ. و ذلك ممّا لا يخفى مكان الشّنعة و الفضيحة فيه.

و شبيه بهذا التوهّم منهم، أنّك قد ترى أحدهم يعتبر حال السامع، فإذا رأى المعاني لا تترتّب في نفسه إلّا بترتّب الألفاظ في سمعه، ظنّ عند ذلك أن المعاني تبع للألفاظ، و أن التّرتّب فيها مكتسب من الألفاظ، و من ترتّبها في نطق المتكلم.

و هذا ظن فاسد ممن يظنّه، فإن الاعتبار ينبغي أن يكون بحال الواضع للكلام و المؤلّف له، و الواجب أن ينظر إلى حال المعاني معه لا مع السامع، و إذا نظرنا علمنا ضرورة أنه محال أن يكون التّرتّب فيها تبعا لترتّب الألفاظ و مكتسبا عنه، لأن ذلك يقتضي أن تكون الألفاظ سابقة للمعاني، و أن تقع في نفس الإنسان أوّلا، ثم تقع المعاني من بعدها و تالية لها، بالعكس مما يعلمه كلّ عاقل إذا هو لم يؤخذ عن نفسه، و لم يضرب حجاب بينه و بين عقله. و ليت شعري، هل كانت الألفاظ إلّا من أجل المعاني؟ و هل هي إلّا خدم لها، و مصرّفة على حكمها؟ أو ليست هي سمات لها، و أوضاعا قد وضعت لتدلّ عليها؟ فكيف يتصوّر أن تسبق المعاني و أن تتقدّمها في تصوّر النفس؟ إن جاز ذلك، جاز أن تكون أسامي الأشياء قد وضعت قبل أن‌


[1] شنع فلان استقبحه. القاموس «شنع» [949] .

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 265
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست