responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 259

معنى هذه مع معنى تلك، و يراعى هناك أمر يصل إحداهما بالأخرى، كمراعاة كون:

«نبك»، جوابا للأمر في قوله: «قفا نبك»، و كيف بالشّكّ في ذلك؟ و لو كانت الألفاظ يتعلّق بعضها ببعض من حيث هي ألفاظ، و مع اطّراح النّاظر في معانيها، و لأدّى ذلك إلى أن يكون الناس حين ضحكوا مما يصنعه المجّان من قراءة أنصاف الكتب، ضحكوا عن جهالة، و أن يكون أبو تمام قد أخطأ حين قال: [من الكامل‌].

عذلا شبيها بالجنون كأنّما

قرأت به الورهاء شطر كتاب‌

لأنهم لم يضحكوا إلّا من عدم التعلّق، و لم يجعله أبو تمام جنونا إلا لذلك.

فانظر إلى ما يلزم هؤلاء القوم من طرائف الأمور.

فصل [في أن الفصاحة و البلاغة للمعاني‌]

و هذا فنّ من الاستدلال لطيف على بطلان أن تكون «الفصاحة» صفة للفظ من حيث هو لفظ.

لا تخلو «الفصاحة» من أن تكون صفة في اللفظ محسوسة تدرك بالسّمع، أن تكون صفة فيه معقولة تعرف بالقلب. فمحال أن تكون صفة في اللّفظ محسوسة، لأنها لو كانت كذلك، لكان ينبغي أن يستوي السامعون للفظ الفصيح في العلم بكونه فصيحا. و إذا بطل أن تكون محسوسة، وجب الحكم ضرورة بأنّها صفة معقولة. و إذا وجب الحكم بكونها صفة معقولة، فإنّا لا نعرف للّفظ صفة يكون طريق معرفتها العقل دون الحس، إلّا دلالته على معنى. و إذا كان كذلك، لزم منه العلم بأنّ وصفنا اللّفظ بالفصاحة، وصف له من جهة معناه، لا من جهة نفسه، و هذا ما لا يبقى لعاقل معه عذر في الشك، و اللّه الموفّق للصواب.

و بيان آخر، و هو أنّ القارئ إذا قرأ قوله تعالى: وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً [مريم:

4]، فإنه لا يجد الفصاحة التي يجدها إلّا من بعد أن ينتهي الكلام إلى آخره. فلو


[1] البيت في ديوانه [27] ، باب المديح، و هو من قصيدة في مدح مالك بن طوق التغلبي، و قبله:

 

من كل ريم لم ترم سوءا و لم‌

تخلط صبا أيامها بتصابي‌

أذكت عليك شهاب نار في الحشا

بالعذل وهنا أخت آل شهاب‌

الورهاء: الحمقاء.

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 259
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست