responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 260

كانت «الفصاحة» صفة للفظ «اشتعل»، لكان ينبغي أن يحسّها القارئ فيه حال نطقه به. فمحال أن تكون للشي‌ء صفة، ثم لا يصحّ العلم بتلك الصفة إلا من بعد عدمه. و من ذا رأى صفة يعرى موصوفها عنها في حال وجوده، حتى إذا عدم صارت موجودة فيه؟ و هل سمع السامعون، في قديم الدهر و حديثه، بصفة شرط حصولها لموصوفها أن يعدم الموصوف؟

فإن قالوا: إنّ الفصاحة التي ادّعيناها للفظ «اشتعل» تكون فيه في حال نطقنا به، إلّا أنّا لا نعلم في تلك الحال أنها فيه، فإذا بلغنا آخر الكلام علمنا حينئذ أنها كانت فيه حين نطقنا به.

قيل: هذا فنّ آخر من العجب، و هو أن تكون هاهنا صفة موجودة في شي‌ء، ثم لا يكون في الإمكان و لا يسع في الجواز، أن يعلم وجود تلك الصفة في ذلك الشي‌ء إلّا من بعد أن يعدم، و يكون العلم بها و بكونها فيه محجوبا عنا حتى يعدم، فإذا عدم علمنا حينئذ أنها كانت فيه حين كان.

ثم إنه لا شبهة في أن هذه الفصاحة التي يدّعونها للّفظ هي مدّعاة لمجموع الكلمة دون آحاد حروفها، إذ ليس يبلغ بهم تهافت الرأي إلى أن يدعو لكلّ واحد من حروف «اشتعل» فصاحة، فيجعلوا «الشين» على حدته فصيحا، و كذلك «التاء»، و «العين» و «اللام». و إذا كانت الفصاحة مدّعاة لمجموع الكلمة، لم يتصوّر حصولها لها إلا من بعد أن تعدم كلّها و ينقضي أمر النطق بها. ذاك لأنه لا يتصوّر أن تدخل الحروف بجملتها في النطق دفعة واحدة، حتى تجعل «الفصاحة» موجودة فيها في حال وجودها. و ما بعد هذا إلا أن نسأل اللّه تعالى العصمة و التوفيق، فقد بلغ الأمر في الشّناعة إلى حدّ، إذا تنبّه العاقل لفّ رأسه حياء من العقل، حين يراه قد قال قولا هذا مؤدّاه، و سلك مسلكا إلى هذا مفضاه.

و ما مثل من يزعم أن «الفصاحة» صفة للّفظ من حيث هو لفظ و نطق لسان، ثم يزعم أنه يدّعيها لمجموع حروفه دون آحادها، إلّا مثل من يزعم أن هاهنا غزلا إذا نسج منه ثوب كان أحمر، و إذا فرّق و نظر إليه خيطا خيطا، لم تكن فهي حمرة أصلا! و من طريق أمرهم، أنك ترى كافّتهم لا ينكرون أن اللّفظ المستعار إذا كان فصيحا، كانت فصاحته تلك من أجل استعارته، و من أجل لطف و غرابة كانا فيها، و تراهم مع ذلك لا يشكّون في أن الاستعارة لا تحدث في حروف اللّفظ صفة و لا تغير أجراسها عما تكون عليه إذا لم يكن مستعارا و كان متروكا على حقيقته، و أن التأثير من الاستعارة

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 260
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست