responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 258

و من العجيب في هذا، ما روي عن أمير المؤمنين عليّ رضوان اللّه عليه أنه قال: «ما سمعت كلمة عربية من العرب إلّا و سمعتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم، و سمعته يقول: «مات حتف أنفه»، و ما سمعتها من عربيّ قبله، لا شبهة في أن وصف اللفظ «بالعربي» في مثل هذا يكون في معنى الوصف بأنه فصيح. و إذا كان الأمر كذلك، فانظر هل يقع في و هم متوهّم أن يكون رضي اللّه عنه قد جعلها «عربية» من أجل ألفاظها؟ و إذا نظرت لم تشكّ في ذلك.

و اعلم أنك تجد هؤلاء الذين يشكّون فيما قلناه، تجري على ألسنتهم ألفاظ و عبارات لا يصحّ لها معنى سوى توخّي معاني النحو و أحكامه فيما بين معاني الكلم، ثم تراهم لا يعلمون ذلك.

فمن ذلك ما يقوله الناس قاطبة من أن العاقل يرتّب في نفسه ما يريد أن يتكلّم به. و إذا رجعنا إلى أنفسنا لم نجد لذلك معنى سوى أنه يقصد إلى قولك «ضرب» فيجعله خبرا عن «زيد»، و يجعل «الضرب» الذي أخبر بوقوعه منه واقعا على «عمرو» و يجعل «يوم الجمعة» زمانه الذي وقع فيه، و يجعل «التأديب» غرضه الذي فعل «الضرب» من أجله، فيقول: «ضرب زيد عمرا يوم الجمعة تأديبا له». و هذا كما ترى هو توخّي معاني النحو فيما بين معاني هذه الكلم.

و لو أنك فرضت أن لا تتوخّى في «ضرب» أن تجعله خبرا عن «زيد» و في «عمرو» أن تجعله مفعولا به الضرب، و في «يوم الجمعة» أن تجعله زمانا لهذا الضرب، و في «التأديب»، أنه تجعله غرض زيد من فعل الضرب ما تصوّر في عقل، و لا وقع في وهم، أن تكون مرتّبا لهذه الكلم. و إذ قد عرفت ذلك، فهو العبرة في الكلام كله، فمن ظنّ ظنّا يؤدّي إلى خلافه، ظنّ ما يخرج به عن المعقول. و من ذلك إثباتهم التعلّق و الاتصال فيما بين الكلم و صواحبها تارة، و نفيهم لهما أخرى و معلوم علم الضرورة أن لن يتصوّر أن يكون للفظة تعلق بلفظة أخرى من غير أن يعتبر حال‌


[1] الحديث «مات حتف أنفه»: أخرجه أحمد في مسنده (4/ 36) من حديث عبد اللّه بن عتيك بلفظ «سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم يقول: «من خرج من بيته مجاهدا في سبيل اللّه- عز و جل- ثم قال بأصابعه هؤلاء الثلاث- الوسطى و السبابة و الإبهام، فجمعهن- و قال: «و أين المجاهدون؟

فخرّ عن دابته، فمات- فقد وقع أجره على اللّه أو لدغته دابة فمات وقع أجره على اللّه أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على اللّه- عز و جل- و اللّه إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلّم، «فمات فقد وقع أجره على اللّه- و من قتل قعصا فقد استوجب المآب».

أخرجه البيهقي في سننه (9/ 166)، و الطبراني في الكبير برقم 1778.

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 258
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست