responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 257

و إذا ثبت من حاله أنّه لا يستطيع أن يصنع بالألفاظ شيئا ليس هو لها في اللغة، و كنّا قد اجتمعنا على أن «الفصاحة» فيما نحن فيه، عبارة عن مزيّة هي بالمتكلّم البتة وجب أن نعلم قطعا و ضرورة أنهم و إن كانوا قد جعلوا «الفصاحة» في ظاهر الاستعمال من صفة اللفظ، فإنهم لم يجعلوها وصفا له في نفسه، و من حيث هو صدى صوت و نطق لسان، و لكنّهم جعلوها عبارة عن مزيّة أفادها المتكلم في المعنى، لأنه إذا كان اتفاقا أنها عبارة عن مزيّة أفادها المتكلم، و لم نره أفاد في اللفظ شيئا، لم يبق إلا أن تكون عبارة عن مزيّة أفادها في المعنى.

و جملة الأمر أنّا لا نوجب «الفصاحة» للفظة مقطوعة مرفوعة من الكلام الذي هي فيه، و لكنا نوجبها لها موصولة بغيرها، و معلّقا معناها بمعنى ما يليها. فإذا قلنا في لفظة «اشتعل» من قوله تعالى: وَ اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً [مريم: 4]، أنّها في أعلى رتبة من الفصاحة، لم توجب تلك «الفصاحة» لها وحدها، و لكن موصولا بها «الرأس» معرّفا بالألف و اللام، و مقرونا إليهما «الشيب» منكّرا منصوبا.

هذا، و إنّما يقع ذلك في الوهم لمن يقع له أعني أن يوجب الفصاحة للفظة وحدها فيما كان «استعارة»، فأما ما خلا من الاستعارة من الكلام الفصيح البليغ، فلا يعرض توهّم ذلك فيه لعاقل أصلا.

أ فلا ترى أنه لا يقع في نفس من يعقل أدنى شي‌ء، إذا هو نظر إلى قوله عز و جل: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ، هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ‌ [المنافقون: 4]، و إلى إكبار النّاس شأن هذه الآية في الفصاحة، أن يضع يده على كلمة كلمة منها فيقول:

«إنّها فصيحة؟» و سبب الفصاحة فيها أمور لا يشكّ عاقل في أنها معنوية:

أولها: أن كانت «على» فيها متعلّقة بمحذوف في موضع المفعول الثاني.

و الثاني: أن كانت الجملة التي هي «هم العدوّ» بعدها عارية من حرف عطف.

و الثالث: التعريف في «العدوّ» و أن لم يقل: «هم عدوّ».

و لو أنّك علّقت «على» بظاهر، و أدخلت على الجملة التي هي «هم العدوّ» حرف عطف، و أسقطت «الألف و اللام» من «العدوّ» فقلت: «يحسبون كلّ صيحة واقعة عليهم، و هم عدوّ»، لرأيت الفصاحة قد ذهبت عنها بأسرها. و لو أنك أخطرت ببالك أن يكون «عليهم» متعلّقا بنفس «الصيحة»، و يكون حاله معها كحاله إذا قلت: «صحت عليه»، لأخرجته عن أن يكون كلاما، فضلا عن أن يكون فصيحا.

و هذا هو الفيصل لمن عقل.

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 257
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست