responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 256

و جملة الأمر أنك لا ترى ظنّا هو أنأى بصاحبه عن أن يصحّ له كلام، أو يستمرّ له نظام، أو تثبت له قدم، أو ينطق منه إلّا بالمحال فم، من ظنّهم هذا الذي حام بهم حول «اللفظ»، و جعلهم لا يعدونه، و لا يرون للمزية مكانا دونه.

و اعلم أنه قد يجري في العبارة منّا شي‌ء، هو يعيد الشّبهة جذعة عليهم، و هو أنه يقع في كلامنا أنّ «الفصاحة» تكون في المعنى دون اللفظ، فإذا سمعوا ذلك قالوا: كيف يكون هذا، و نحن نراها لا تصلح صفة إلا للّفظ، و نراها لا تدخل في صفة المعنى البتّة، لأنا نرى الناس قاطبة يقولون: «هذا لفظ فصيح، و هذه ألفاظ فصيحة»، و لا نرى عاقلا يقول: «هذا معنى فصيح، و هذه معان فصاح». و لو كانت «الفصاحة» تكون في المعنى، لكان ينبغي أن يقال ذاك، كما أنّا لما كان الحسن يكون فيه قيل:

«هذا معنى حسن، و هذه معان حسنة». و هذا شي‌ء يأخذ من الغرّ مأخذا:

و الجواب عنه أن يقال: إن غرضنا من قولنا: «إن الفصاحة تكون في المعنى»، أنّ المزيّة الّتي من أجلها استحقّ اللفظ الوصف بأنه «فصيح»، هي في المعنى دون اللفظ، لأنّه لو كانت بها المزيّة التي من أجلها يستحقّ اللّفظ الوصف بأنه فصيح، تكون فيه دون معناه لكان ينبغي إذا قلنا في اللّفظة: «إنها فصيحة»، أن تكون تلك الفصاحة واجبة لها بكل حال. و معلوم أنّ الأمر بخلاف ذلك، فإنّا نرى اللّفظة تكون في غاية الفصاحة في موضع، و نراها بعينها فيما لا يحصى من المواضع و ليس فيها من الفصاحة قليل و لا كثير. و إنما كان كذلك، لأن المزيّة التي من أجلها نصف اللّفظ في شأننا هذا بأنّه فصيح، مزيّة تحدث من بعد أن لا تكون، و تظهر في الكلم من بعد أن يدخلها النظم. و هذا شي‌ء إن أنت طلبته فيما و قد جئت بها أفرادا لم ترم فيها نظما، و لم تحدث لها تأليفا، و طلبت محالا. و إذا كان كذلك، وجب أن يعلم قطعا و ضرورة أن تلك المزيّة في المعنى دون اللّفظ.

و عبارة أخرى في هذا بعينه، و هي أن يقال: قد علمنا علما لا تعترض معه شبهة: أن «الفصاحة» فيما نحن فيه، عبارة عن مزيّة هي بالمتكلّم دون واضع اللغة.

و إذا كان كذلك، فينبغي لنا أن ننظر إلى المتكلم، هل يستطيع أن يزيد من عند نفسه في اللفظ شيئا ليس هو له في اللّغة حتى يجعل ذلك من صنيعه مزيّة يعبّر عنها بالفصاحة؟ و إذا نظرنا وجدناه لا يستطيع أن يصنع باللفظ شيئا أصلا، و لا أن يحدث فيه وصفا. كيف؟ و هو إن فعل ذلك أفسد على نفسه، و أبطل أن يكون متكلّما، لأنه لا يكون متكلّما حتى يستعمل أوضاع لغة على ما وضعت عليه.

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 256
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست