responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 240

مثال ذلك: أنك إن قدّرت في بيت أبي تمام: [من الطويل‌]

لعاب الأفاعي القاتلات لعابه‌

و أري الجنى اشتارته أيد عواسل‌

أنّ «لعاب الأفاعي» مبتدأ و «لعابه» خبر، كما يوهمه الظاهر، أفسدت عليه كلامه، و أبطلت الصّورة التي أرادها فيه. و ذلك أنّ الغرض أن يشبّه مداد قلمه بلعاب الأفاعي، على معنى أنه إذا كتب في إقامة السياسات أتلف به النفوس، و كذلك الغرض أن يشبّه مداده بأري الجنى، على معنى أنه إذا كتب في العطايا و الصّلات أوصل به إلى النّفوس ما تحلو مذاقته عندها، و أدخل السّرور و اللّذة عليها. و هذا المعنى إنّما يكون إذا كان «لعابه» مبتدأ، و «لعاب الأفاعي» خبرا. فأمّا تقديرك أن يكون «لعاب الأفاعي» مبتدأ و «لعابه»، خبرا فيبطل ذلك و يمنع منه البتّة، و يخرج بالكلام إلى ما لا يجوز أن يكون مرادا في مثل غرض أبي تمّام، و هو أن يكون أراد أن يشبّه «لعاب الأفاعي» بالمداد، و يشبّه كذلك «الأري» به.

فلو كان حال الكلم في ضمّ بعضها إلى بعض كحال غزل الإبريسم، لكان ينبغي أن لا تتغيّر الصّورة الحاصلة من نظم كلم، حتّى تزال عن مواقعها كما لا تتغير الصّورة الحادثة عن ضمّ غزل الإبريسم بعضه إلى بعض، حتّى تزال الخيوط عن مواضعها.

و اعلم أنه لا يجوز أن يكون سبيل قوله: «لعاب الأفاعي القاتلات لعابه»، سبيل قولهم: «عتابك السّيف». و ذلك أن المعنى في بيت أبي تمام على أنك مشبه شيئا بشي‌ء، و جامع بينهما في وصف، و ليس المعنى في «عتابك السيف»، على أنك تشبه عتابه بالسيف، و لكن على أن تزعم أنه يجعل «السيف» بدلا من «العتاب».

أ فلا ترى أنه يصحّ أن تقول: «مداد قلمه قاتل كسم الأفاعي»، و لا يصحّ أن تقول:

«عتابك كالسيف»، اللهم إلّا أن تخرج إلى باب آخر، و شي‌ء ليس هو غرضهم بهذا الكلام، فتريد أنه قد عاتب عتابا خشنا مؤلما. ثم إنك إن قلت: «السيف عتابك»، خرجت به إلى معنى ثالث، و هو أن تزعم أن عتابه قد بلغ في إيلامه و شدة تأثيره مبلغا صار له السّيف كأنه ليس بسيف.


[1] البيت في ديوانه [242] ط، دار الكتب العلمية، بيروت، من قصيدة يمدح فيها محمدا بن عبد الملك الزيات، و مطلعها:

 

متى أنت عن ذهلية الحي ذاهل‌

و قلبك منها مدّة الدهر آهل‌

تطل الطلول الدمع في كل موقف‌

و تمثل بالصبر الديار المواثل‌

و البيت أورده السكاكي في المفتاح [316] ، و القزويني في الإيضاح [84] ، و محمد بن علي الجرجاني في الإشارات [59] ، و عزاه لأبي تمام، و لطائف التبيان [64] ، و شرح الصولي (2/ 333).

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 240
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست