responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 239

الشأن»، ظننت أن لا يخشى على من يقوله الكذب. و هل عجب أعجب من قوم عقلاء يتلون قول اللّه تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى‌ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: 88] و يؤمنون به، و يدينون بأن القرآن معجز، ثم يصدّون بأوجههم عن برهان الإعجاز و دليله، و يسلكون غير سبيله؟ و لقد جنوا، لو دروا ذاك، عظيما.

[فصل: غلط الناس في معنى الحقيقة و المجاز.]

و اعلم أنه و إن كانت الصّورة في الذي أعدنا و أبدأنا فيه من أنّه لا معنى للنّظم غير توخّي معاني النّحو فيما بين الكلم، قد بلغت في الوضوح و الظهور و الانكشاف إلى أقصى الغاية، و إلى أن تكون الزيادة عليه كالتكلّف لما لا يحتاج إليه، فإنّ النفس تنازع إلى تتبّع كلّ ضرب من الشّبهة يرى أنه يعرض للمسلّم نفسه عند اعتراض الشك.

و إنا لنرى أن في الناس من إذا رأى أنّه يجري في القياس و ضرب المثل أن تشبّه الكلم في ضمّ بعضها إلى بعض، بضمّ غزل الإبريسم بعضه إلى بعض، و رأى أنّ الذي ينسج الدّيباج و يعمل النّقش و الوشي لا يصنع بالإبريسم الذي ينسج منه، شيئا غير أن يضمّ بعضه إلى بعض، و يتخيّر للأصباغ المختلفة المواقع التي يعلم أنه إذا أوقعها فيها حدث له في نسجه ما يريد من النقش و الصورة جرى‌ في ظنّه أن حال الكلم في ضمّ بعضها إلى بعض، و في تخيّر المواقع لها، حال خيوط الإبريسم سواء، و رأيت كلامه كلام من لا يعلم أنه لا يكون الضّم فيها ضمّا، و لا الموقع موقعا، حتى يكون قد توخّي فيها معاني النحو، و أنك إن عمدت إلى ألفاظ فجعلت تتبع بعضها بعضا من غير أن تتوخّى فيها معاني النحو، لم تكن صنعت شيئا تدعى به مؤلّفا، و تشبّه معه بمن عمل نسجا أو صنع على الجملة صنيعا، و لم يتصوّر أن تكون قد تخيّرت لها المواقع.

و فساد هذا و شبهه من الظّنّ، و إن كان معلوما ظاهرا، فإنّ هاهنا استدلالا لطيفا تكثر بسببه الفائدة، و هو أنه يتصوّر أن يعمد عامد إلى نظم كلام بعينه فيزيله عن الصّورة التي أرادها الناظم له و يفسدها عليه، من غير أن يحوّل منه لفظا عن موضعه، أو يبدله بغيره، أو يغيّر شيئا من ظاهر أمره على حال.


[1] السياق: و إنا لنرى في الناس من إذا رأى أنه يجري في القياس .... و رأى أن الذي ينسج الديباج .... جرى في ظنه ...».

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 239
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست