اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 235
و إذا كان الأمر كذلك، فينبغي لنا أن ننظر في الجهة التي يختصّ منها
الشّعر بقائله.
و إذا نظرنا وجدناه يختصّ به من
جهة توخّيه في معاني الكلم التي ألّفه منها، ما توخّاه من معاني النّحو، و رأينا
أنفس الكلم بمعزل عن الاختصاص، و رأينا حالها معه حال الإبريسم مع الذي ينسج منه
الدّيباج، و حال الفضّة و الذهب مع من يصوغ منهما الحليّ. فكما لا يشتبه الأمر في
أنّ الديباج لا يختصّ بناسجه من حيث الإبريسم، و الحليّ بصائغها من حيث الفضّة و
الذهب، و لكن من جهة العمل و الصّنعة، كذلك ينبغي أن لا يشتبه أنّ الشعر لا يختصّ
بقائله من جهة أنفس الكلم و أوضاع اللغة.
و تزداد تبيّنا لذلك بأن تنظر في
القائل إذا أضفته إلى الشعر فقلت: «امرؤ القيس قائل هذا الشعر»، من أين جعلته
قائلا له؟ أ من حيث نطق بالكلم و سمعت ألفاظها من فيه، أم من حيث صنع في معانيها
ما صنع، و توخّى فيها ما توخّى؟ فإن زعمت أنّك جعلته قائلا له من حيث أنه نطق
بالكلم و سمعت ألفاظها من فيه على النّسق المخصوص، فاجعل راوي الشعر قائلا له،
فإنه ينطق بها و يخرجها من فيه على الهيئة و الصّورة التي نطق بها الشاعر، و ذلك
ما لا سبيل لك إليه.
فإن قلت: إنّ الراوي و إن كان قد
نطق بألفاظ الشّعر على الهيئة و الصّورة التي نطق بها الشاعر، فإنه هو لم يبتدئ
فيها النّسق و الترتيب، و إنما ذلك شيء ابتدأه الشاعر، فلذلك جعلته القائل له دون
الرّاوي.
قيل لك: خبّرنا عنك، أ ترى أنه
يتصوّر أن يجب لألفاظ الكلم التي تراها في قوله: [من الطويل] قفا نبك من ذكرى
حبيب و منزل هذا الترتيب، من غير أن يتوخّى في معانيها ما تعلم أنّ امرأ القيس
توخّاه من كون «نبك» جوابا للأمر، و كون «من» معدّية له إلى «ذكرى»، و كون «ذكرى»
مضافة إلى «حبيب»، و كون «منزل» معطوفا على «حبيب»، أم ذلك محال؟.
[1] البيت لامرئ القيس في ديوانه
[110] ، و هو مطلع معلقته الشهيرة،
و تمامه:
بسقط اللوى بين الدخول فحومل سقط
اللوى: منقطع الرمل، و الدخول و حومل قيل: إنهما موضعان في شرق اليمامة.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 235