اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 230
تفسير هذا: أنّه لا يحسن أن تقول: «إنّما يتذكّر أولو الألباب لا
الجهال»، كما يحسن أن تقول: «إنّما يجيء زيد لا عمرو».
ثم إنّ النّفي فيما نحن فيه،
النّفي يتقدّم تارة و يتأخّر أخرى، فمثال التأخير ما تراه في قولك: «إنما جاءني
زيد لا عمرو»، و كقوله تعالى: إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ.
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية: 21، 22]، و كقول لبيد:
[من الرمل] إنّما يجزي الفتى ليس الجمل و مثال التّقديم قولك: «ما جاءني زيد، و
إنّما جاءني عمرو»، و هذا ممّا أنت تعلم به مكان الفائدة فيها، و ذلك أنّك تعلم
ضرورة أنك لو لم تدخلها و قلت: «ما جاءني زيد و جاءني عمرو»، لكان الكلام مع من
ظنّ أنهما جاءاك جميعا، و أن المعنى الآن مع دخولها، أنّ الكلام مع من غلط في عين
الجائي، فظنّ أنه كان زيدا لا عمرا.
و أمر آخر، و هو ليس ببعيد: أن
يظنّ الظانّ أنّه ليس في انضمام «ما» إلى «إنّ» فائدة أكثر من أنّها تبطل عملها،
حتى ترى النحويين لا يزيدون في أكثر كلامهم على أنها «كافّة»، و مكانها هاهنا يزيد
هذا الظّن و يبطله. و ذلك أنك ترى أنك لو قلت:
«ما جاءني زيد، و إنّ عمرا جاءني»، لم يعقل منه أنك أردت أن الجائي
«عمرو» لا «زيد»، بل يكون دخول «إنّ» كالشيء الذي لا يحتاج إليه، و وجدت المعنى
ينبو عنه.
ثم اعلم إذا استقريت وجدتها أقوى
ما تكون و أعلق ما ترى بالقلب، إذا كان لا يراد بالكلام بعدها نفس معناه، و لكن
التعريض بأمر هو مقتضاه، نحو أنّا نعلم أن ليس الغرض من قوله تعالى:
إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ [الرعد: 19] [الزمر: 9]،
أن يعلم السامعون ظاهر معناه، و لكن أن يذمّ الكفّار، و أن يقال إنهم من فرط
العناد و من غلبة الهوى عليهم، في حكم من ليس بذي عقل، و إنكم إن طمعتم منهم في أن
ينظروا و يتذكّروا، كنتم كمن طمع في ذلك من غير أولي الألباب. و كذلك قوله:
إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ
يَخْشاها [النازعات: 45]، و قوله عز اسمه:
[1] البيت للبيد بن أبي ربيعة العامري في ديوانه
[145] من طويلته
اللامية الساكنة في رثاء أخيه و صدره:
فإذا جوزيت قرضا فاجزه و مطلع
القصيدة:
إن تقوى ربنا خير نفل* و بإذن
اللّه ريثي و عجل أحمد اللّه فلا ندّ له* بيديه الخير ما شاء فعل الجمل: عنى به
الجاهل.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 230