اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 229
انكشاف و ظهور في أن الأمر كالذي ذكر. و قد قسّمت في أول ما افتتحت
القول فيها فقلت: «إنّها تجيء للخبر لا يجهله السامع و لا ينكر صحّته، أو لما
ينزّل هذه المنزلة». و أمّا ما ذكرت من أنها تجيء في الكتب لدلالة المتعلم على ما
لم يعلمه، فإنك إذا تأملت مواقعها وجدتها في الأمر الأكثر قد جاءت لأمر قد وقع
العلم بموجبه و بشيء يدلّ عليه.
مثال ذلك: أن صاحب الكتاب قال في
باب «كان»:
«إذا قلت: كان زيد، فقد ابتدأت بما هو معروف عنده مثله عندك، و
إنّما ينتظر الخبر. فإذا قلت: «حليما»، فقد أعلمته مثل ما علمت. و إذا قلت: «كان
حليما»، فإنما ينتظر أن تعرّفه صاحب الصفة».
و ذاك أنّه إذا كان معلوما أنه لا
يكون مبتدأ من غير خبر، و لا خبر من غير مبتدأ، كان معلوما أنك إذا قلت: «كان زيد»
فالمخاطب ينتظر الخبر، و إذا قلت:
«كان حليما»، أنه ينتظر الاسم، فلم يقع إذن بعد «إنّما» إلّا شيء
كان معلوما للسامع من قبل أن ينتهي إليه.
و ممّا الأمر فيه بيّن، قوله في
باب «ظننت»:
«و إنما تحكي بعد «قلت» ما كان كلاما لا قولا».
و ذلك أنه معلوم أنّك لا تحكي بعد
«قلت»، إذا كنت تنحو نحو المعنى، إلّا ما كان جملة مفيدة، فلا تقول: «قال فلان
زيد» و تسكت، اللهمّ إلا أن تريد أنّه نطق بالاسم على هذه الهيئة، كأنك تريد أنه
ذكره مرفوعا.
و مثل ذلك قولهم: «إنّما يحذف
الشيء إذا كان في الكلام دليل عليه»، إلى أشباه ذلك مما لا يحصى، فإن رأيتها قد
دخلت على كلام هو ابتداء إعلام بشيء لم يعلمه السامع، فلأنّ الدليل عليه حاضر
معه، و الشيء بحيث يقع العلم به عن كثب.
و اعلم أنّه ليس يكاد ينتهي ما
يعرض بسبب هذا الحرف من الدقائق.
و ممّا يجب أن يعلم: أنه إذا كان
الفعل بعدها فعلا لا يصحّ إلّا من المذكور و لا يكون من غيره، كالتذكّر الذي يعلم
أنه لا يكون إلّا من أولي الألباب لم يحسن العطف «بلا» فيه، كما يحسن فيما لا
يختصّ بالمذكور و يصحّ من غيره.