اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 196
عنى بخمس السحائب، أنامله، و لكنه لم يأت بهذه الاستعارة دفعة، و لم
يرمها إليك بغتة، بل ذكر ما ينبئ عنها، و يستدلّ بها عليه، فذكر أن هناك صاعقة، و
قال:
«من نصله»، فبيّن أن تلك الصاعقة من نصل سيفه ثم قال: «أرؤس
الأقران»، ثم قال: «خمس»، فذكر «الخمس» التي هي عدد أنامل اليد، فبان من مجموع هذه
الأمور غرضه.
و أنشدوا لبعض العرب: [من الرجز]
فإن تعافوا العدل و الإيمانا
فإنّ في أيماننا نيرانا
يريد أن في أيماننا سيوفا نضربكم
بها، و لو لا قوله أولا: «فإن تعافوا العدل و الإيمان»، و أن في ذلك دلالة على أنّ
جوابه أنهم يحاربون و يقسرون على الطاعة بالسيف، ثم قوله: «فإن في أيماننا»، لما
عقل مراده، و لما جاز له أن يستعير النيران للسيوف، لأنه كان لا يعقل الذي يريد،
لأنّا و إن كنا نقول: «في أيديهم سيوف تلمع كأنها شعل نار» كما قال: [من الكامل]
ناهضتهم و البارقات كأنّها
شعل على أيديهم تتلهب
فإن هذا التشبيه لا يبلغ مبلغ ما
يعرف مع الإطلاق، كمعرفتنا إذا قال: «رأيت أسدا»، أنه يريد الشجاعة، و إذا قال:
«لقيت شمسا و بدرا»، أنه يريد الحسن و لا يقوي تلك القوة، فاعرفه.
و مما طريق المجاز فيه الحكم، قول
الخنساء: [من البسيط]
ترتع ما رتعت، حتّى إذا ادّكرت
فإنّما هي إقبال و إدبار
و ذاك أنها لم ترد بالإقبال و
الإدبار غير معناهما، فتكون قد تجوّزت في نفس الكلمة، و إنما تجوّزت في أن جعلتها
لكثرة ما تقبل و تدبر، و لغلبة ذاك عليها و اتّصاله منها، و أنه لم يكن لها حال
غيرهما، كأنها قد تجسّمت من الإقبال و الإدبار. و إنّما
[1] البيت في الإيضاح
[260] ط، دار الكتب العلمية، بيروت، بلا
نسبة، و المعنى: أن سيوفا تلمع كأنها شعل نيران.
[2] البيت للبحتري في الإيضاح
[261] ، و الخطاب: للممدوح.
[3] البيت في ديوانها
[39] ط، دار الكتب العلمية، بيروت، و قبله:
و ما عجول على بقر تطيف به
لها حنينان: إعلان و إسرار
إقبال و إدبار: أي لا تنفك كقبل
و تدبر كأنها خلقت منها.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 196