responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 195

هذا المجاز الحكميّ بسهولة، بل تجدك في كثير من الأمر، و أنت تحتاج إلى أن تهيّئ الشي‌ء و تصلحه لذلك، بشي‌ء تتوخّاه في النظم. و إن أردت مثالا في ذلك فانظر إلى قوله: [من الطويل‌]

تناس طلاب العامريّة إذ نأت‌

بأسجح‌ مرقال‌ الضّحى قلق الضّفر

إذا ما أحسّته الأفاعي تحيّزت‌

شواة الأفاعي من مثلّمة سمر

تجوب له الظّلماء عين كأنّها

زجاجة شرب‌ غير ملأى و لا صفر

يصف جملا، و يريد أنّه يهتدي بنور عينه في الظلماء، و يمكنه بها أن يخرقها و يمضي فيها، و لولاها لكانت الظلماء كالسّد و الحاجز الذي لا يجد شيئا يفرجه به، و يجعل لنفسه فيه سبيلا. فأنت الآن تعلم أنه لو لا أن قال: «تجوب له»: فعلّق «له» تجوب، و لما صلحت «العين» لأن يسند «تجوب» إليها، و لكان لا تتبيّن جهة التجوّز في جعل «تجوب» فعلا للعين كما ينبغي. و كذلك تعلم أنه لو قال مثلا:

«تجوب له الظلماء عينه»، لم يكن له هذا الموقع، و لاضطرب عليه معناه، و انقطع السّلك من حيث كان يعييه حينئذ أن يصف العين بما وصفها به الآن. فتأمل هذا و اعتبره. فهذه التهيئة و هذا الاستعداد في هذا المجاز الحكمي، نظير أنك تراك في الاستعارة التي هي مجاز في نفس الكلمة و أنت تحتاج في الأمر الأكثر إلى أن تمهّد لها و تقدّم أو تؤخّر ما يعلم به أنك مستعير و مشبّه، و يفتح طريق المجاز إلى الكلمة.

أ لا ترى إلى قوله: [من الطويل‌]

و صاعقة من نصله ينكفي بها

على أرؤس الأقران خمس سحائب‌


[1] الأسجح: ليّن الخد و الحسن المعتدل. اللسان/ سجح/ (2/ 475).

[2] المرقال: تقول ناقة مرقال: مسرعة. اه القاموس/ رقل/ [1302] .

[3] الضفر: ما يشربه البعير من مضفور (الحبل). اه القاموس/ ضفر/ [551] .

[4] الشواة: قحف الرأس. اه القاموس/ شوى/ [1678] .

[5] المثلمة السمر: هي الأخفاف المقطعة من كثرة المشي.

[6] شرب: القوم الشاربون.

[7] البيت للبحتري في ديوانه (1/ 179)، و الإيضاح [261] ، و المفتاح [484] ، و أورده الطيبي في التبيان (1/ 300)، و عزاه للبحتري، و في شرحه على مشكاة المصابيح (1/ 117)، و العلوي في الطراز (1/ 231)، و رواية الديوان:

 

و صاعقة من كفه ينكفي بها

على أرؤس الأعداء خمسة سحائب‌

و يريد بخمس سحائب: الأنامل.

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 195
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست