اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 197
كان يكون المجاز في نفس الكلمة، لو أنها كانت قد استعارت «الإقبال و الإدبار»
لمعنى غير معناهما الذي وضعا له في اللّغة. و معلوم أن ليس الاستعارة مما أرادته
في شيء.
و اعلم أن ليس بالوجه أن يعدّ هذا
على الإطلاق معدّ ما حذف منه المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه، مثل قوله عز و جل:
وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: 82]، و مثل قوله النابغة الجعدي: [من
المتقارب]
و كيف تواصل من أصبحت
خلالته كأبي مرحب
و قول الأعرابيّ: [من الوافر]
حسبت بغام راحلتي عناقا
و ما هي ويب غيرك بالعناق
و إن كنا نراهم يذكرونه حيث يذكرون
حذف المضاف، و يقولون إنه في تقدير: «فإنما هي ذات إقبال و إدبار»، ذاك لأن المضاف
المحذوف من نحو الآية و البيتين، في سبيل ما يحذف من اللفظ و يراد في المعنى، كمثل
أن يحذف خبر المبتدأ و المبتدأ، إذا دلّ الدليل عليه إلى سائر ما إذا حذف كان في
حكم المنطوق به.
و ليس الأمر كذلك في بيت الخنساء،
لأنا إذا جعلنا المعنى فيه الآن كالمعنى إذا نحن قلنا: «فإنما هي ذات إقبال و
إدبار»، أفسدنا الشعر على أنفسنا، و خرجنا إلى شيء مغسول، و إلى كلام عاميّ
مرذول، و كان سبيلنا سبيل من يزعم مثلا في بيت المتنبي: [من الوافر]
بدت قمرا، و مالت خوط بان،
و فاحت عنبرا، و رنت غزالا
[1] البيت: للنابغة الجعدي (الديوان 26)، و في اللسان مادة/ خلل/
[11] . الخلالة: الصداقة- أبو مرحب: كنية الذئب.
[2] الشعر لذي الخرق الطهوي يخاطب الذئب. في نوادر أبي زيد
[116] ،
و مجالس ثعلب (76، 185)، يقولها لذئب تبعه في طريقه و قبل البيت:
أ لم تعجب لذئب بات يسري
ليؤذن صاحبا له باللحاق
و البغام: صوت الظبية و الناقة و
حنينها، و العناق: أنثى المعز، قال الأستاذ محمود شاكر في هامش نسخته: و من هامش
المطبوعة بخط الناسخ ما نصه: «يخاطب ذئبا أي: حسبت ناقتي عناقا و بغامها بغام
عناق».
[3] البيت في ديوانه (1/ 184)، من قصيدة قالها في مدح أبي الحسين
بدر بن عمار بن إسماعيل الأسدي الطبرستاني و بعده:
و جارت في الحكومة ثم أبدت
لنا من حسن قامتها اعتدالا
بدت: ظهرت. الخوط: الغصن الناعم.
رنت: نظرت. و البيت في الإيضاح
[229] ط، دار الكتب العلمية، بيروت.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 197