اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 173
فصل: الكلام ضربان
الكلام على ضربين: ضرب أنت تصل منه
إلى الغرض بدلالة اللّفظ وحده، و ذلك إذا قصدت أن تخبر عن «زيد» مثلا بالخروج على
الحقيقة، فقلت: «خرج زيد»، و بالانطلاق عن «عمرو» فقلت: «عمرو منطلق»، و على هذا
القياس- ضرب آخر أنت لا تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحده، و لكن يدلّك اللفظ
على معناه الذي يقتضيه موضوعه في اللغة، ثم تجد لذلك المعنى دلالة ثانية تصل بها
إلى الغرض. و مدار هذا الأمر على «الكناية» و «الاستعارة» و «التّمثيل»، و قد مضت
الأمثلة فيها مشروحة مستقصاة. أو لا ترى أنك إذا قلت: «هو كثير رماد القدر»، أو
قلت: «طويل النجاد»، أو قلت في المرأة: «نؤوم الضحى»، فإنك في جميع ذلك لا تفيد
غرضك الذي تعني من مجرّد اللفظ، و لكن يدل اللّفظ على معناه الذي يوجبه ظاهره، ثم
يعقل السامع من ذلك المعنى، على سبيل الاستدلال، معنى ثانيا هو غرضك، كمعرفتك من
«كثير رماد القدر» أنه مضياف، و من «طويل النجاد» أنّه طويل القامة، و من «نؤوم
الضحى» في المرأة أنها مترفة مخدومة، لها من يكفيها أمرها.
و كذا إذا قال: «رأيت أسدا»، و
دلّك الحال على أنّه لم يرد السبع، علمت أنه أراد التشبيه، إلا أنه بالغ فجعل الذي
رآه بحيث لا يتميّز عن الأسد في شجاعته.
و كذلك تعلم من قوله: «بلغني أنك
تقدّم رجلا و تؤخّر أخرى»، أنّه أراد التردد في أمر البيعة و اختلاف العزم في
الفعل و تركه، على ما مضى الشرح فيه.
و إذ قد عرفت هذه الجملة، فهاهنا
عبارة مختصرة و هي أن تقول: «المعنى»، و «معنى المعنى»، تعني بالمعنى المفهوم من
ظاهر اللفظ و الّذي تصل إليه بغير واسطة، و «بمعنى المعنى»، أن تعقل من اللّفظ
معنى، ثم يفضي بك ذلك المعنى إلى معنى آخر، كالذي فسّرت لك.
و إذ قد عرفت ذلك، فإذا رأيتهم
يجعلون الألفاظ زينة للمعاني و حلية عليها، أو يجعلون المعاني كالجواري، و الألفاظ
كالمعارض لها، و كالوشي المحبّر و اللّباس الفاخر و الكسوة الرّائقة، إلى أشباه
ذلك مما يفخّمون به أمر اللفظ، و يجعلون المعنى ينبل به و يشرف، فاعلم أنه يصفون
كلاما قد أعطاك المتكلم أغراضه فيه من طريق
[1] مفردها المعرض بفتح الراء و هو ثوب تجلى به الجارية يوم العرس.