اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 174
معنى المعنى، فكنى و عرّض، و مثّل و استعار، ثم أحسن في ذلك كله و
أصاب، و وضع كل شيء منه في موضعه، و أصاب به شاكلته، و عمد فيما كنى به و شبّه و
مثّل، لما حسن مأخذه، و دقّ مسلكه، و لطفت إشارته، و أن المعرض و ما في معناه، ليس
هو اللفظ المنطوق به، و لكن معنى اللفظ الذي دللت به على المعنى الثاني، كمعنى
قوله: [من الوافر] فإنّي، جبان الكلب مهزول الفصيل الذي هو دليل على أنه مضياف،
فالمعاني الأول المفهومة من أنفس الألفاظ هي المعارض و الوشي و الحلي و أشباه ذلك،
و المعاني الثواني التي يومأ إليها بتلك المعاني، هي التي تكسى تلك المعارض، و
تزيّن بذلك الوشي و الحلي.
و كذلك إذا جعلوا المعنى يتصوّر من
أجل اللفظ بصورة، و يبدو في هيئة، و يتشكّل بشكل يرجع المعنى في ذلك كلّه إلى
الدّلالات المعنوية، و لا يصلح شيء منه حيث الكلام على ظاهره، و حيث لا يكون
كناية و لا تمثيل و لا استعارة، و لا استعانة في الجملة بمعنى على معنى، و تكون
الدلالة على الغرض من مجرّد اللفظ، فلو أن قائلا قال: «رأيت الأسد»، و قال آخر:
«لقيت اللّيث»، لم يجز أن يقال في الثاني أنه صوّر المعنى في غير صورته الأولى، و
لا أن يقال أبرزه في معرض سوى معرضه، و لا شيئا من هذا الجنس.
و جملة الأمر أن صور المعاني لا
تتغيّر بنقلها من لفظ إلى لفظ، حتى يكون هناك اتساع و مجاز، و حتى لا يراد من
الألفاظ ظواهر ما وضعت له في اللغة، و لكن يشار بمعانيها إلى معان أخر.
و اعلم أن هذا كذلك ما دام النظم
واحدا، فأمّا إذا تغير النظم فلا بدّ حينئذ من أن يتغير المعنى، على ما مضى من
البيان في «مسائل التقديم و التأخير»، و على ما رأيت في المسألة التي مضت الآن،
أعني قولك: «إن زيدا كالأسد»، و «كأنّ زيدا الأسد»، ذاك لأنه لم يتغير من اللّفظ
شيء، و إنما تغيّر النظم فقط. و أما فتحك «إن» عند تقديم الكاف و كانت مكسورة فلا
اعتداد بها، لأن معنى الكسر باق بحاله.
و اعلم أنّ السبب في أن أحالوا في
أشباه هذه المحاسن التي ذكرتها لك على اللفظ، أنّها ليست بأنفس المعاني، بل هي
زيادات فيها و خصائص. أ لا ترى أن ليست المزية التي تجدها لقولك: «كأنّ زيدا
الأسد» على قولك «زيد كالأسد»، لشيء خارج عن التشبيه الذي هو أصل المعنى، و إنما
هو زيادة فيه و في حكم
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 174