responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 160

24- 28]، جاء على ما يقع في أنفس المخلوقين من السّؤال. فلما كان العرف و العادة فيما بين المخلوقين إذا قيل لهم: «دخل قوم على فلان فقالوا كذا»، أن يقولوا: «فما قال هو؟»، و يقول المجيب: «قال كذا»، أخرج الكلام ذلك المخرج، لأنّ الناس خوطبوا بما يتعارفونه، و سلك باللفظ معهم المسلك الذي يسلكونه.

و كذلك قوله: «قال أ لا تأكلون»، و ذلك أن قوله: «فجاء بعجل سمين. فقرّبه إليهم»، يقتضي أن يتبع هذا الفعل بقول، فكأنه قيل و اللّه أعلم: «فما قال حين وضع الطعام بين أيديهم؟»، فأتى قوله: «قال أ لا تأكلون»، جوابا عن ذلك.

و كذا «قالوا لا تخف»، لأن قوله: «فأوجس منهم خيفة»، يقتضي أن يكون من الملائكة كلام في تأنيسه و تسكينه مما خامره، فكأنه قيل: «فما قالوا حين رأوه و قد تغيّر و دخلته الخيفة؟» فقيل: «قالوا لا تخف».

و ذلك، و اللّه أعلم، المعنى في جميع ما يجي‌ء منه على كثرته، كالذي يجي‌ء في قصّة فرعون عليه اللّعنة، و في ردّ موسى عليه السلام عليه كقوله: قالَ فِرْعَوْنُ وَ ما رَبُّ الْعالَمِينَ. قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ. قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَ لا تَسْتَمِعُونَ. قالَ رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ. قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ. قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَ الْمَغْرِبِ وَ ما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ. قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ. قالَ أَ وَ لَوْ جِئْتُكَ بِشَيْ‌ءٍ مُبِينٍ. قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ‌ [الشعراء: 23- 31]، جاء ذلك كله، و اللّه أعلم، على تقدير السؤال و الجواب كالذي جرت به العادة فيما بين المخلوقين، فلما كان السامع منّا إذا سمع الخبر عن فرعون بأنه قال: «و ما رب العالمين؟»، وقع في نفسه أن يقول:

«فما قال موسى له؟» أتى قوله: «قال ربّ السماوات و الأرض»، مأتى الجواب مبتدأ مفصولا غير معطوف. و هكذا التقدير و التفسير أبدا في كل ما جاء فيه لفظ «قال» هذا المجي‌ء، و قد يكون الأمر في بعض ذلك أشدّ وضوحا.

- فممّا هو في غاية الوضوح قوله تعالى: قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ. قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى‌ قَوْمٍ مُجْرِمِينَ‌ [الحجر: 57- 58]، و ذلك لأنّه لا يخفى على عاقل أنه جاء على معنى الجواب، و على أن نزّل السامعون كأنهم قالوا: «فما قال له الملائكة؟»، فقيل: «قالوا إنّا أرسلنا إلى قوم مجرمين».

و كذلك قوله عز و جل في سورة يس: وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 160
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست