responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 16

و أن يستعمل اللفظ الغريب، و الكلمة الوحشيّة، فإن استظهر للأمر و بالغ في النظر، فأن لا يلحن فيرفع في موضع النصب، أو يخطئ فيجي‌ء باللفظة على غير ما هي عليه في الوضع اللغويّ، و على خلاف ما ثبتت به الرواية عن العرب.

و جملة الأمر أنه لا يرى النقص يدخل على صاحبه في ذلك، إلّا من جهة نقصه في علم اللغة، لا يعلم أن هاهنا دقائق و أسرارا طريق العلم بها الرّويّة و الفكر، و لطائف مستقاها العقل، و خصائص معان ينفرد بها قوم قد هدوا إليها، و دلّوا عليها، و كشف لهم عنها، و رفعت الحجب بينهم و بينها، و أنّها السبب في أن عرضت المزيّة في الكلام، و وجب أن يفضل بعضه بعضا، و أن يبعد الشأو في ذلك، و تمتدّ الغاية، و يعلو المرتقى، و يعزّ المطلب، حتّى ينتهي الأمر إلى الإعجاز، و إلى أن يخرج من طوق البشر.

و لما لم تعرف هذه الطائفة هذه الدقائق، و هذه الخواصّ و اللطائف، لم تتعرّض لها و لم تطلبها، ثمّ عنّ لها بسوء الاتفاق رأي صار حجازا بينها و بين العلم بها و سدّا دون أن تصل إليها و هو أن ساء اعتقادها في الشعر الذي هو معدنها، و عليه المعوّل فيها، و في علم الإعراب الذي هو لها كالناسب الذي ينميها إلى أصولها، و يبيّن فاضلها من مفضولها، فجعلت تظهر الزّهد في كل واحد من النوعين، و تطرح كلّا من الصنفين، و ترى التشاغل عنهما أولى من الاشتغال بهما، و الإعراض عن تدبرهما أصوب من الإقبال على تعلّمهما.

أما الشّعر فخيّل إليها أنه ليس فيه كثير طائل، و أن ليس إلّا ملحة أو فكاهة، أو بكاء منزل أو وصف طلل، أو نعت ناقة أو جمل، أو إسراف قول في مدح أو هجاء، و أنه ليس بشي‌ء تمسّ الحاجة إليه في صلاح دين أو دنيا.

و أما النّحو، فظنّته ضربا من التكلّف، و بابا من التعسّف، و شيئا لا يستند إلى أصل، و لا يعتمد فيه على عقل، و أنّ ما زاد منه على معرفة الرّفع و النّصب و ما يتّصل بذلك مما تجده في المبادئ، فهو فضل لا يجدي نفعا، و لا تحصل منه على فائدة، و ضربوا له المثل بالملح كما عرفت‌، إلى أشباه لهذه الظنون في القبيلين، و آراء لو علموا مغبّتها و ما تقود إليه؛ لتعوّذوا باللّه منها، و لأنفوا لأنفسهم من الرّضا بها، ذاك‌


[1] و هي الكلمة الطيبة و هي المليحة. اه اللسان. مادة/ ملح/ (2/ 602).

[2] و هو قولهم: «النحو في الكلام كالملح في الطعام». إذ المعنى أن الكلام لا يستقيم و لا تحصل منافعه التي هي الدلالات على المقاصد إلّا بمراعاة أحكام النحو من الإعراب و الترتيب الخاص.

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 16
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست