اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 119
أحدهما قد صلح في مكان الآخر، و تعلم أنّ المعنى مع أحدهما غيره مع
الآخر، كما هو العبرة في حمل الخفيّ على الجليّ. و ينعكس لك هذا الحكم، أعني أنّك
كما وجدت الاسم يقع حيث لا يصلح الفعل مكانه، كذلك تجد الفعل يقع ثمّ لا يصلح
الاسم مكانه، و لا يؤدّي ما كان يؤدّيه.
فمن البيّن في ذلك قول الأعشى: [من
الطويل]
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة
إلى ضوء نار في يفاع تحرّق
تشبّ لمقرورين يصطليانها
و بات على النّار النّدى و المحلّق
معلوم أنه لو قيل: «إلى ضوء نار
متحرّقة»، لنبا عنه الطبع و أنكرته النفس، ثم لا يكون ذاك النبوّ و ذاك الإنكار من
أجل القافية و أنها تفسد به، بل من جهة أنه لا يشبه الغرض و لا يليق بالحال.
و كذلك قوله: [من الكامل]
أ و كلّما وردت عكاظ قبيلة
بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم
و ذلك لأن المعنى في بيت الأعشى
على أنّ هناك موقدا يتجدّد منه الإلهاب و الإشعال حالا فحالا، و إذا قيل:
«متحرقة»، كان المعنى أن هناك نارا قد ثبتت لها و فيها هذه الصفة، و جرى مجرى أن
يقال: «إلى ضوء نار عظيمة» في أنه لا يفيد فعلا يفعل و كذلك الحال في قوله: «بعثوا
إليّ عريفهم يتوسم»، و ذلك لأن المعنى على توسّم و تأمّل و نظر يتجدّد من العريف
هناك حالا فحالا و تصفّح منه الوجوه واحدا بعد واحد: و لو قيل: «بعثوا إليّ عريفهم
متوسّما»، لم يفد ذلك حقّ الإفادة.
[2] البيت لطريف العنبري، و هو طريف بن تميم العنبري أبو عمرو شاعر
مقل، جاهلي قتله أحد بني شيبان، و كان يسمى: «ملقي القناع» لأنه أول من ألقى
القناع بعكاظ. و البيت في الأصمعيات
[117] ، و الإيضاح
[95] ، و الإشارات و
التنبيهات
[65] ، و شرح المرشدي على عقود الجمان (1/ 106). و عكاظ: أكبر أسواق
العرب في الجاهلية، و عريف القوم: رئيسهم أو القيّم بأمرهم، يريد أنهم يبعثون إليه
عريفهم من أجل شهرته و عظمته.
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 119