responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 118

و يحدث، بل توجبهما و تثبتهما فقط، و تقضي بوجودهما على الإطلاق، كذلك لا تتعرض في قولك: «زيد منطلق» لأكثر من إثباته لزيد.

و أما الفعل، فإنه يقصد فيه إلى ذلك. فإذا قلت: «زيد ها هو ذا ينطلق»، فقد زعمت أن الانطلاق يقع منه جزءا فجزءا، و جعلته يزاوله و يزجّيه.

و إن شئت أن تحسّ الفرق بينهما من حيث يلطف، فتأمل هذا البيت: [من البسيط]

لا يألف الدّرهم المضروب خرقتنا،

لكن يمرّ عليها و هو منطلق‌

هذا هو الحسن اللائق بالمعنى، و لو قلته بالفعل: «لكن يمر عليها و هو ينطلق»، لم يحسن.

و إذا أردت أن تعتبره حيث لا يخفى أنّ أحدهما لا يصلح في موضع صاحبه، فانظر إلى قوله تعالى: وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ [الكهف: 18]، فإن أحدا لا يشك في امتناع الفعل هاهنا، و أن قولنا: «كلبهم يبسط ذراعيه»، لا يؤدّي الغرض. و ليس ذلك إلا لأنّ الفعل يقتضي مزاولة و تجدّد الصفة في الوقت، و يقتضي الاسم ثبوت الصّفة و حصولها من غير أن يكون هناك مزاولة و تزجية فعل، و معنى يحدث شيئا فشيئا. و لا فرق بين «و كلبهم باسط»، و بين أن يقول: «و كلبهم واحد» مثلا، في أنك لا تثبت مزاولة، و لا تجعل الكلب يفعل شيئا، بل تثبته بصفة هو عليها. فالغرض إذن تأدية هيئة الكلب.

و متى اعتبرت الحال في الصّفات المشبهة وجدت الفرق ظاهرا بينا، و لم يعترضك الشك في أنّ أحدهما لا يصلح في موضع صاحبه. فإذا قلت: «زيد طويل»، و «عمرو قصير»: لم يصلح مكانه «يطول» و «يقصر»، و إنما تقول: «يطول» و «يقصر»، إذا كان الحديث عن شي‌ء يزيد و ينمو كالشجر و النبات و الصبيّ و نحو ذلك، مما يتجدّد فيه الطول أو يحدث فيه القصر. فأمّا و أنت تحدّث عن هيئة ثابتة، و عن شي‌ء قد استقرّ طوله، و لم يكن ثمّ تزايد و تجدد، فلا يصلح فيه إلا الاسم.

و إذا ثبت الفرق بين الشي‌ء و الشي‌ء في مواضع كثيرة، و ظهر الأمر، بأن ترى أحدهما لا يصلح في موضع صاحبه، وجب أن تقضي بثبوت الفرق حيث ترى‌


[1] البيت للنصر بن جؤيّة في الإشارات [65] ، و معاهد التنصيص (1/ 207)، و شرح الواحدي على ديوان المتنبي [157] ، و الإيضاح [95] .

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 118
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست