اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 117
أ فيكون دليل أوضح من هذا و أبين و أجلى في صحة ما ذكرت لك، من أنك
قد ترى ترك الذّكر أفصح من الذكر، و الامتناع من أن يبرز اللفظ من الضمير، أحسن
للتصوير؟
فصل القول على فروق في الخبر
أوّل ما ينبغي أن يعلم منه أنّه
ينقسم إلى خبر هو جزء من الجملة لا تتمّ الفائدة دونه، و خبر ليس بجزء من الجملة،
و لكنه زيادة في خبر آخر سابق له. فالأوّل خبر المبتدأ، كمنطلق في قولك: «زيد
منطلق»، و الفعل كقولك: «خرج زيد»، فكل واحد من هذين جزء من الجملة، و هو الأصل في
الفائدة.
و الثاني هو الحال: كقولك: «جاءني
زيد راكبا»، و ذاك لأن الحال خبر في الحقيقة، و من حيث أنك تثبت بها المعنى لذي
الحال، كما تثبت بخبر المبتدأ للمبتدإ، و بالفعل للفاعل. أ لا تراك قد أثبتّ
«الركوب» في قولك: «جاءني زيد راكبا» لزيد؟ إلّا أنّ الفرق أنّك جئت به لتزيد معنى
في إخبارك عنه بالمجيء، و هو أن تجعله بهذه الهيئة في مجيئه، و لم تجرّد إثباتك
للركوب و لم تباشره به، بل ابتدأت فأثبتّ المجيء، ثم وصلت به الركوب، فالتبس به
الإثبات على سبيل التّبع للمجيء، و بشرط أن يكون في صلته. و أما في الخبر المطلق
نحو: «زيد منطلق» و «خرج عمرو»، فإنك مثبت للمعنى إثباتا جرّدته له، و جعلته يباشر
من غير واسطة، و من غير أن تتسبّب بغيره إليه، فاعرفه.
و إذ قد عرفت هذا الفرق، فالذي
يليه من فروق الخبر، هو الفرق بين الإثبات إذا كان بالاسم، و بينه إذا كان بالفعل.
و هو فرق لطيف تمسّ الحاجة في علم البلاغة إليه.
و بيانه، أن موضوع الاسم على أن
يثبت به المعنى للشيء من غير أن يقتضي تجدّده شيئا بعد شيء.
و أما الفعل فموضوعه على أنّه
يقتضي تجدّد المعنى المثبت به شيئا بعد شيء.
فإذا قلت: «زيد منطلق»، فقد أثبتّ
الانطلاق فعلا له، من غير أن تجعله يتجدّد و يحدث منه شيئا فشيئا، بل يكون المعنى
فيه كالمعنى في قولك: «زيد طويل»، و «عمرو قصير»: فكما لا تقصد هاهنا إلى أن تجعل
الطول أو القصر يتجدّد
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 117