responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 116

فصل [في تحليل مثال آخر للحذف‌]

قد بان الآن و اتّضح لما نظر نظر المتثبّت- الحصيف الراغب في اقتداح زناد العقل، و الازدياد من الفضل، و من شأنه التوق إلى أن يعرف الأشياء على حقائقها، و يتغلغل إلى دقائقها، و يربأ بنفسه عن مرتبة المقلّد الذي يجري مع الظاهر، و لا يعدو الذي يقع في أوّل الخاطر- أنّ الذي قلت في شأن «الحذف» و في تفخيم أمره، و التنويه بذكره، و أنّ مأخذه مأخذ يشبه السحر، و يبهر الفكر، كالذي قلت.

و هذا فنّ آخر من معانيه عجيب، و أنا ذاكره لك. قال البحتري في قصيدته التي أولها: [من الطويل‌] أ عن سفه يوم الأبيرق أم حلم‌ و هو يذكر محاماة الممدوح عليه، صيانته له، و دفعه نوائب الزمان عنه: [من الطويل‌]

و كم ذدت عنّي من تحامل حادث‌

و سورة أيّام حززن إلى العظم‌

الأصل لا محالة: حززن اللّحم إلى العظم، إلّا أنّ في مجيئه به محذوفا، و إسقاطه له من النّطق، و تركه في الضمير، مزيّة عجيبة و فائدة جليلة.

و ذاك أن من حذق الشاعر أن يوقع المعنى في نفس السامع إيقاعا يمنعه به من أن يتوهّم في بدء الأمر شيئا غير المراد، ثم ينصرف إلى المراد. و معلوم أنه لو أظهر المفعول فقال: «و سورة أيام حززن اللحم إلى العظم»، لجاز أن يقع في وهم السامع إلى أن يجي‌ء إلى قوله: «إلى العظم»، أن هذا الحزّ كان في بعض اللحم دون كله، و أنه قطع ما يلي الجلد و لم ينته إلى ما يلي العظم. فلما كان كذلك، ترك ذكر «اللحم» و أسقطه من اللفظ، ليبرئ السامع من هذا الوهم، و يجعله بحيث يقع المعنى منه في أنف‌ الفهم، و يتصوّر في نفسه من أوّل الأمر أن الحزّ مضى في اللحم حتى لم يردّه إلّا العظم.


[1] هو صدر بيت و عجزه: «وقوف بربع أو بكاء على رسم» قاله البحتري و هو يمدح أبا الصقر إسماعيل بن بلبل الشيباني ا. ه الديوان (1/ 190).

[2] البيت للبحتري في ديوانه، و أورده القزويني في الإيضاح [112] ، و أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات [82] ، و المخاطب في البيت أبو الصقر ممدوح البحتري.

[3] الأنف من كل شي‌ء أوله أو أشهره. القاموس:/ أنف/ [1025] .

اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر    الجزء : 1  صفحة : 116
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست