اسم الکتاب : دلائل الإعجاز في علم المعاني المؤلف : الجرجاني، عبد القاهر الجزء : 1 صفحة : 114
صار الثاني كأنّه شيء غير الأوّل، و جرى مجرى أن تقول: «لو شئت أن
تعطي درهما أعطيت درهمين»، في أن الثاني لا يصلح أن يكون تفسيرا للأوّل.
و اعلم أن هذا الذي ذكرنا ليس
بصريح: «أكرمت و أكرمني عبد اللّه»، و لكنه شبيه به في أنه إنّما حذف الذي حذف من
مفعول «المشيئة» و «الإرادة»، لأنه الذي يأتي في جواب «لو» و أخواتها يدلّ عليه.
و إذا أردت ما هو صريح في ذلك، ثمّ
هو نادر لطيف ينطوي على معنى دقيق و فائدة جليلة، فانظر إلى بيت البحتري: [من
الخفيف]
قد طلبنا فلم نجد لك في السّؤ
دد و المجد و المكارم مثلا
المعنى: قد طلبنا لك مثلا؛ ثم حذف،
لأن ذكره في الثاني يدلّ عليه، ثمّ إنّ للمجيء به كذلك من الحسن و المزيّة و
الرّوعة ما لا يخفى. و لو أنه قال: «قد طلبنا لك في السؤدد و المجد و المكارم مثلا
فلم نجده»، لم تر من هذا الحسن الذي تراه شيئا. و سبب ذلك أن الذي هو الأصل في
المدح و الغرض بالحقيقة، هو نفي الوجود عن «المثل»، فأما «الطّلب»، فكالشيء يذكر
ليبنى عليه الغرض و يؤكّد به أمره. و إذا كان هذا كذلك، فلو أنه قال: «قد طلبنا لك
في السؤدد و المجد و المكارم مثلا فلم نجده»، لكان يكون قد ترك أن يوقع نفي الوجود
على صريح لفظ «المثل»، و أوقعه على ضميره. و لن تبلغ الكناية مبلغ التّصريح أبدا.
و يبيّن هذا، كلام ذكره أبو عثمان
الجاحظ في كتاب البيان و التبيين، و أنا أكتب لك الفصل حتى تستبين الذي هو
المراد، قال:
«و السّنة في خطبة النكاح أن يطيل الخاطب و يقصّر المجيب، أ لا ترى
أن قيس ابن خارجة بن سنان لمّا ضرب بسيفه مؤخرة راحلة الحاملين في شأن حمالة داحس
و الغبراء و قال: ما لي فيها أيّها العشمتان؟ قالا: بل ما عندك؟ قال: عندي قرى
كلّ نازل، و رضى كلّ ساخط، و خطبة من لدن تطلع الشمس إلى أن تغرب، آمر فيها
بالتواصل، و أنهى فيها عن التقاطع قالوا: فخطب يوما إلى الليل، فما أعاد كلمة و لا
معنى. فقيل لأبي يعقوب: هلّا اكتفى بالأمر بالتواصل، عن النهي عن التقاطع؟ أو
[1] قاله البحتري في مدح المعتز. اه الديوان (1/ 156).