المذاهب الثلاثة ، أي غير المذهب الحنفي ، فالذي يبقى مورداً للبحث عن أنّه هل يخالف سلّم التطوّر المفروض في الفقه أوْ لا ؟ إنّما هي الحوالة على البريء في الفقه الحنفيّ ، والحوالة على المدين في كلّ المذاهب الأربعة .
على أنّ المعترفين بالحوالة منهم من يُرجع ـ في الحقيقة ـ الحوالة إلى باب الضمان[1] كزفر من الحنفيّين ، حيث يفسّرها بضمّ ذمّة المحال عليه إلى ذمّة المدين في المطالبة ، فهذا أيضاً يخرج من موضوع البحث ، لأنّ الدَين لم ينتقل في الحقيقة إلى المحال عليه ، وغاية الأمر أنّ الدائن له حقّ مطالبة المحال عليه كما له حقّ مطالبة المدين كما هو الحال في باب الضمان[2] .
ومنهم من يفسّر الحوالة بمعنى انتقال المطالبة وحدها دون الدَين من المدين إلى المحال عليه ، كما قال به محمّد من الحنفيّين ، وهذا أيضاً خروج عن موضع البحث ، لأنّ الدَين لم ينتقل ، فلو أراد المدين أن يقضي الدَين لا يكون متبرّعاً ، لأنّه لا زال مديناً وليس من حقّ الدائن الامتناع من الاستيفاء . ولو أبرأ الدائن المحال عليه لا يسقط بهذا دَينه ، ولا يرجع المحال عليه على المدين ولو كانت الحوالة بأمره ، لأنّ الدائن لم يبرئ المحال عليه من الدَين ، بل من مجرّد المطالبة ولو توى الدَين عند المحال عليه بمثل الموت أو الفلس أو الإنكار مع
[1] عبّر السنهوري هنا بالكفالة ، ومقصوده هو ما نسمّيه بالضمان .
[2] هذا جريٌ على ما هو المنسوب إلى المشهور في فقه السنّة من أنّ الضمان ضمّ ذمّة إلى ذمّة ، خلافاً لما عند الشيعة من أنـّه نقل من الذمّة إلى ذمّة اُخرى .
وأظنّ أنّ واقع مقصودهم هو ضمّ عهدة إلى عهدة لا الذمّة بمعناها الدقيق الذي شرحناها في ما سبق ، فلا يرد عليهم ما جاء في الجواهر من الاستشكال في تصوّر شغل ذمّتين فصاعداً بمال واحد . راجع الجواهر 26 : 113 ، أوّل كتاب الضمان .