صحيح ان فرعون قد حفر قبره بظلمه بسبب استغلاله لبني اسرائيل، وجعل
اهل الارض شيعاً يستضعف طائفة منهم، وصحيح كذلك ان هذه الطائفة هي التي تحولت
لهيباً من الحقد الذي التهم فرعون وجنوده، وكان ان وعد الله ووفى بوعده الصادق
وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الارْضِ وَنَجْعَلَهُمْ
أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الارْضِ وَنُرِيَ
فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ
(القصص/ 5- 6)
ولكن ذلك لم يكن كل القضية، بل هناك الخط الايجابي البنّاء الذي
لولاه لما كان فرعون يندحر امام بني اسرائيل، ذلك هو انبعاث موسى من عند الله
والذي جاء بالفكرة الحضارية، والقيادة الرشيدة، والنصر الغيبي.
ثم طالب موسى فرعون بانهاء الاستغلال العنصري الذي كان يمارسه ضد بني
اسرائيل، وهنا يكون طبيعياً تعاون الطبقة المظلومة مع منقذها الذي يتحرر عن كل
مصلحة ذاتية، بنفس المدى الذي يكون طبيعياً مطالبة الرسالة، تحرير الطبقات
المستغَلة، بيد انه ليس من الاستغلال تنشأ الرسالة، بل من الله ثم بامر من الله
تتجه الرسالة في البدء ناحية التحرير من نير الاستغلال.
وبهذا تفترق نظرة الاسلام الى التاريخ من نظرة الفلسفات البشرية،
فالاسلام ابرز دور الانسان الايجابي في تحرير نظرائه من الاستغلال، بينما الفلسفات
الاخرى حاولت ربط حركات التحرير بآلية الحياة، مما اخفت دور الانسان كعنصر موجب
(فاعل)، واظهرت دوره كعنصر قابل (منفعل) فقط.