الحین
بعد الحین. و کل ذلک شاهد صدق علی ان هذا القدر من الذنوب لا ینقض التوبة و
لا یلحق صاحبه بدرجة المصرین، و من یؤیس مثل هذا عن النجاة و وصوله إلی
درجة التائبین فهو ناقص، و مثله مثل الطبیب الذی یؤیس الصحیح من دوام الصحة
بما یتناوله من الفواکه مرة أو مرتین، و مثل الفقیه الذی یؤیس المتفقه عن
نیل درجة الفقهاء بفتوره عن التکرار فی أوقات نادرة. و لا ریب فی نقصانه،
فالعالم حق العالم هو الذی لا یؤیس الخلق من درجات السعادات بما یتفق لهم
من الفترات و مقارفة السیئات المختطفات، إذ أمثال الفترات و ما یصدر عن
السهو و الغفلات لا یفسد النفس و لا یبطلها بحیث لا یقبل الإصلاح، أو یتوب و
یستمر علی الاستقامة مدة ثم تغلبه الشهوة فی بعض الذنوب، فیقدم علیه عمدا و
قصدا، لعجزه عن قهر الشهوة و قمعها، إلا أنه مع ذلک مواظب علی الطاعات، و
تارک لأکثر الذنوب مع القدرة و الشهوة، و إنما قهره بعض الشهوات بحیث یغفل
عند هیجانها و یرتکب مقتضاها من دون مجاهدة و ندامة، و عند قضاء هذه الشهوة
و الفراغ عنها یتندم، و یقول سأتوب عنها، لکنه یسول نفسه و یسوف توبته
یوما بعد یوم، و النفس التی هذه درجتها هی التی تسمی النفس المسولة المسئول
صاحبها، و إلیها الإشارة بقوله- تعالی-: وَ آخَرونَ اعْتَرَفُوا بِذُنوبِهِمْ خَلَطوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَیِّئاً [1]. فنجاتها
من حیث مواظبته علی الطاعات و کراهته لما یتعاطاه مرجو، فعسی اللّه أن
یتوب علیها، و لکن یخاف علیها من حیث تسویفها و تأخیرها،(1) التوبة، الآیة: 103.