فربما
اختطفها الموت قبل التوبة، و یقع أمرها فی المشیئة، فیدخل فی زمرة
السعداء، أو یسلک فی سلک الأشقیاء، أو یتوب و یجری مدة علی الاستقامة، ثم
یعود إلی الذنوب عمدا و قصدا، من غیر أن یحدث نفسه بالتوبة، و من غیر أن
یتأسف و یتندم، بل ینهمک انهماک الغافل فی الذنوب و اتباع الشهوات و هذا
معدود من المصرین، و نفسه محسوبة من النفوس الامارة بالسوء الفرارة من
الخیر، و مثله إن مات علی التوحید و ختم له بالحسنی و غلبت طاعاته علی
سیئاته کان من أهل الجنة، و إن ختم له بالسوء کان من أهل النار، و إن مات
علی التوحید و لکن ترجحت سیئاته علی حسناته فأمره إلی اللّه، و لعله یعذب
فی النار مدة بقدر زیادة سیئاته علی حسناته، ثم یخلص منها بعمیم لطفه.
فصل (عدم الثقة بالاستقامة لا یمنع من التوبة)
اعلم أن من تاب و لا یثق من نفسه الاستقامة علی التوبة فلا ینبغی أن
یمنعه ذلک عن التوبة، علما منه أنه لا فائدة فیه. فان ذلک من غرور الشیطان،
و من أین له هذا العلم، فلعله یموت تائبا قبل أن یعود إلی الذنب. و أما
الخوف من العود، فلیتدار که بتجرید القصد و صدق العزم، فان و فی به فقد
نال مطلبه، و إلا فقد غفرت ذنوبه السابقة کلها و تخلص منها، و لیس علیه إلا
هذا الذنب الذی أحدثه الآن. و هذا من الفوائد العظیمة و الأرباح الجسیمة،
فلا یمنعک خوف العود من التوبة، فانک من التوبة أبدا بین إحدی الحسنیین:-
إحداهما- العظمی: و هی غفران الذنوب السابقة و عدم العود إلی ذنبه فی
الاستقبال.- و ثانیهما- و هی الصغری: غفران الذنوب الماضیة، و إن لم یمنع
العود إلی الذنب فی المستقبل. ثم إذا عاد إلی