بعین الحقارة و الازدراء، یقول فی العباد: إنهم أجراء مبعوثون، و فی العلماء: أنهم
بالحدیث عن اللّه لمحجوبون، و یدعی لنفسه من الکرامات ما لا یدعیه نبی و
لا ولی، و یدعی کونه و أصلا إلی الحق فارغا عن أعباء التکلیف، لا علما أحکم
و لا عملا هذب، لم یعرف من المعارف إلا أسماء یتفوه بها عند الأغنیاء
للوصول إلی بعض حطامهم الخبیثة، فهو عند اللّه من الفجار المنافقین، و عند
أرباب القلوب من الحمقی الجاهلین، مع ظنه أنه من المقربین، فهو أشد
الغافلین المغرورین. و (منهم) ملامیة یرتکبون قبائح الاعمال و شنائع
الافعال الموجبة للبعد عن طریق المروة، ظنا منهم أن هذا موجب لکسر النفس و
إزالة ذمائم الأخلاق، و لم یعلموا ان هذه الافعال من الذمائم، و قد نهی
صاحب الشرع عنه. و (منهم) من اشتغل بالریاضة و المجاهدة، و قطع بعض
المنازل، و وصل إلی بعض المقامات علی قدر سعیه و مجاهدته، إلا أنه لم یتم
سلوکه و انقطع عن سائر المقامات، اما لاعتراض مفسد فی اثناء السلوک، أو
لوقوعه فی الاثناء ظنا منه انه وصل إلی اللّه و لم یصل بعد، فان للّه سبعین
حجابا من نور، و لا یصل السالک إلی حجاب من تلک الحجب فی الطریق الا و یظن
انه قد وصل، و إلیه الإشارة فی حکایة الخلیل، حیث رأی أولا کوکبا، فقال: «هذا
ربی»، ثم انتقل إلی القمر، ثم عنه إلی الشمس، فانه لیس المراد بالکوکب و
القمر و الشمس هذه الاجسام المضیئة، فان شأن مثل الخلیل أعظم من أن یظن
کونها آلهة، بل هذا ینافی شأنه و رتبته، فالمراد بها الأنوار التی هی من
حجب اللّه، و یراها السالک فی الطریق، و لا یتصور الوصول إلی اللّه الا
بالوصول إلی هذه الحجب، و هی حجب من النور بعضها أعظم من