کل
منها إلی آلات کثیرة. ثم انظر کیف ألف اللّه- سبحانه- بین قلوب هؤلاء
الصناع المصلحین، و سلط علیهم الانس و المحبة، حتی ائتلفوا و اجتمعوا و
بنوا المدن و البلاد، و رتبوا المساکن و الدور متجاورة متقاربة، و بنوا
الأسواق و الخانات و سائر أصناف البقاع، و لو تفرقت آراؤهم، و تنافرت
طباعهم تنافر طباع الوحوش، لتبددوا و تباعدوا، و لم ینتفع بعضهم ببعض، ثم
لما کان فی جبلة الإنسان الغیظ و العداوة، و الحسد و المنافسة، و الانحراف
عن الحق، و ربما زالت المحبة بین البعض لاعراض، فیزدحمون علیها، و یتنافسون
فیها، و ربما أدی إلی التنافر و التقابل. فبعث اللّه الأنبیاء بالشرائع و
القوانین لیرجعوا إلیها عند التنازع، فیرتفع نزاعهم. ثم بعث العلماء
الذین هم ورثة الأنبیاء لحفظ هذه الشرائع و العلم بها. و بعث اللّه
السلاطین حتی یقیموا الناس قهرا علیها لو أرادوا التخلف عنها، فسلط اللّه
السلاطین أولی القوة و العدة علی الناس، و ألقی رعبهم فی قلوبهم، و الهمهم
إصلاح العباد، بأن رتبوا الرؤساء و القضاة و الحکام و السجن و الأسواق، و
اضطروا الخلق إلی قانون الشرع و العدل، و ألزموهم التآلف و التعاون، و
منعوهم عن التفرق و التباغض. فاصلاح الرعایا و الصناع بالسلاطین، و إصلاح
السلاطین بالعلماء، و إصلاح العلماء بالانبیاء، و إصلاح الأنبیاء
بالملائکة، و إصلاح الملائکة بعضهم ببعض، الی ان ینتهی إلی حضرة الربوبیة،
التی هی ینبوع کل نظام، و مطلع کل حسن و جمال، و منشأ کل ترتیب و تألیف. و
قد ظهر مما ذکر: أن من فتش یعلم: ان رغیفا واحدا لا یستدیر بحیث یصلح للاکل
ما لم یعمل علیه آلاف الوف من الملائکة و صناع الانس.