لا
یتم الا بالماء و الهواء و الشمس و القمر و الکواکب، و لا یتم ذلک إلا
بالافلاک التی هی مرکوزة فیها، و لا تتم الأفلاک إلا بحرکاتها، و لا تتم
حرکاتها إلا بملائکة سماویة یحرکونها، و کذلک تتسلسل الأسباب إلی أن تنتهی
إلی مسبب الأسباب و غایة الکل، و لیس لنا سبیل إلی ادراک تفاصیلها و
استنباط عجائب حکمها و دقائق مصالحها.
فصل (حاجة تحضیر الطعام إلی آلاف الأسباب)
ثم ما ینبت من الأرض من النبات، و ما یحصل من الحیوانات، لا یمکن أن
تقضم و تؤکل کذلک، بل لا بد فی کل واحد من إصلاح و طبخ و ترکیب و تنظیف،
بإلقاء البعض و إبقاء البعض، إلی غیر ذلک من الأعمال التی لا تحصی، و کل من
الأطعمة یتوقف إصلاحها علی أمور خاصة کثیرة، و استقصاء ذلک فی کل طعام
طویل. فلنأخذ رغیفا واحدا، و ننظر إلی بعض ما یحتاج إلیه حتی یستدیر و یصلح
للأکل، اذ بیان جمیع ما یحتاج إلیه حتی یستدیر الرغیف الواحد لیس ممکنا،
فنقول: أول ما یتوقف علیه هذا الرغیف الأرض، ثم إلقاء البذر فیها، ثم
الثور الذی یثیر الأرض مع آلاته، کالفدان و غیر ذلک، ثم تنقیة الأرض من
الحشائش، و التعهد بسقی الماء إلی أن یعقد الحب و یبدو صلاحه، ثم الحصاد،
ثم الفرک، ثم التنقیة و التصفیة، ثم الطحن، ثم العجن، ثم الخبز. فتأمل
عدد هذه الافعال، و استحضر سائر الافعال التی لم نذکرها، ثم تذکر عدد
الأشخاص القائمین بها، و عدد الآلات التی یحتاج إلیها من الحدید و الخشب و
الحجر و غیرها. و انظر إلی اعمال الصناع فی إصلاح آلات الحراثة و التصفیة و
الطحن و الخبز من نجارة و حدادة و غیرهما، و احتیاج