ثم جمیع الأطعمة لما لم یمکن أن یوجد فی کل مکان و بلد، إذ لکل واحد
شروط مخصوصة لأجلها، لا یمکن إلا أن یوجد فی بعض الأماکن دون بعض، و الناس
منتشرون علی وجه الأرض، و قد یبعد عنهم بعض ما یحتاجون إلیه من الأطعمة،
بحیث تحول بینهم و بینها البراری و البحار، فسخر اللّه- تعالی- التجار، و
سلط علیهم حرص المال و شره الربح، حتی یقاسوا الشدائد، و یرکبوا الأخطار فی
قطع المفاوز و رکوب البحار، فیحملون الأطعمة و أنواع الحوائج من الشرق إلی
الغرب، و من الغرب إلی الشرق. فانظر کیف علمهم اللّه صناعة السفن و کیفیة
الرکوب فیها، و کیف خلق الحیوانات و سخرها للحمل و الرکوب فی البوادی و
الجبال، من الجمال و کیفیة قطعها البراری و المراحل تحت الأعباء الثقیلة و
صبرها علی الجوع و العطش، و من الخیل و کیفیة سرعة سیرها و حرکاتها، و من
الحمار و صبره علی التعب، و انظر کیف خلق اللّه ما یحتاج إلیه السفن و هذه
الحیوانات من الأسباب و الغذاء، و ینتهی إلی حد لا یمکن تحدیده.
فصل (نعم اللّه فی خلق الملائکة للانسان)
ثم مجرد وجود الغذاء و حضوره و إصلاحه لا یفید فائدة ما لم یؤکل و یصیر
جزء للبدن. و هذا موقوف علی اعمال کثیرة، محتاجة إلی أسباب کثیرة، من
الطحن، و الجذب، و الهضم المعدی و الکبدی، و غیر ذلک من الأفعال التی یحتاج
کل منها إلی أسباب کثیرة. و قد أشرنا إلی لمعة من