responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : جامع السعادات المؤلف : النراقي، المولى محمد مهدي    الجزء : 3  صفحة : 257

تأکل ما تستلذ به فی الحال و یضرها فی ثانی الحال، فتمرض و تموت، اذ لیس لها الا الإحساس بالحاضر، و اما ادراک العواقب فلیس لها إلیه سبیل.
فیتوقف تمییز صلاح العواقب و فسادها علی قوة أخری. فخلق اللّه للانسان العقل، به یدرک مضرة الأطعمة و منفعتها فی المآل، و به یدرک کیفیة طبخ الأطعمة و ترکیبها و اعداد أسبابها، فینتفع بعقله فی الأکل الذی هو سبب صحته، و هو اخس فوائد العقل و أقل الحکم فیه، اذ الحکم و الفوائد المترتبة علیه أکثر من ان تحصی، و أعظم الحکم فیه معرفة اللّه و معرفة صفاته و افعاله. و العقل بمنزلة السلطان فی مملکة البدن، و الحواس الخمس کالجواسیس و أصحاب الاخبار و الموکلین بنواحی المملکة، و قد وکل کل واحد منها بامر خاص. فواحدة بأخبار الالوان، و أخری بأخبار الأصوات، و أخری بأخبار الروائح، و أخری بأخبار الطعوم، و أخری بأخبار الحر و البرد و الخشونة و الملاسة و اللین و الصلابة. فهذه الجواسیس یقتنصون الاخبار من أقطار المملکة، و یسلمونها إلی الحس المشترک، و هو قاعد فی مقدمة الدماغ، مثل صاحب الکتب و القصص علی باب الملک، یجمع القصص و الکتب الواردة من نواحی العالم، و یأخذها و یسلمها إلی العقل الذی هو السلطان مختومة، اذ لیس له الا أخذها و حفظها، و اما معرفة حقائق ما فیها فلیس الیه. و لکن إذا صادف القلب العاقل الذی هو الأمیر و الملک، سلم، لانها آتیة إلیه مختومة، فیفتشها الملک و یطلع علی أسرار المملکة، و یحکم فیها بأحکام عجیبة لا یمکن استقصاؤها. و بحسب ما یلوح له من الاحکام و المصالح یحول الجنود- اعنی الأعضاء- فی الطلب او الهرب او إتمام التدبیرات التی تعن له. ثم عجائب حکم العقل و الأسباب التی یتوقف خلقه علیها لیس درکها فی مقدرة البشر، و هذه ما یتوقف علیه الأکل من الادراکات و أسبابها.
اسم الکتاب : جامع السعادات المؤلف : النراقي، المولى محمد مهدي    الجزء : 3  صفحة : 257
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست