الرابع- الأسباب التی تناسب من وجه الفضائل النفسیة، و یعبر عنها بالنعم التوفیقیة:
و هی: هدایة اللّه، و رشده، و تسدیده، و تأییده. و هذه الجملة مما یتوقف
بعضها علی بعض، الی ان ینتهی إلی السعادة التی هی مطلوبة لذاتها. و التوقف
إما علی سبیل اللزوم و الضرورة، کتوقف سعادة الآخرة علی الفضائل النفسیة و
البدنیة، و توقف الفضائل النفسیة علی صحة البدن، او علی سبیل النفع و
الإعانة، کتوقف الفضائل النفسیة و البدنیة علی النعم الخارجة. و وجه
کونها معینة نافعة فی تحصیل العلم و تهذیب الأخلاق و صحة البدن ظاهر. و
اعانة الجمال فی کسب الفضائل النفسیة و البدنیة مبنی علی أن القبیح مذموم، و
الطباع عنه نافرة، فحاجات الجمیل إلی الإجابة أقرب، و جاهه فی الصدور
أوسع. و أیضا الغالب دلالة الجمال علی فضیلة النفس، لان نور النفس إذا تم
اشراقه تأدی إلی البدن. و لذلک عول أصحاب الفراسة فی معرفة مکارم النفس علی
هیئات البدن. ثم انا لا نعنی بالجمال ما یحرک الشهوة، فان ذلک انوثة، بل
نعنی به البراءة عن العیوب و النقص و الزیادة، و ارتفاع القامة علی
الاستقامة، مع الاعتدال فی اللحم، و تناسب الأعضاء، و تناسب خلقة الوجه،
بحیث لا تنبو الطباع عن النظر إلیه. و اما احتیاج الفضائل الخلقیة و
الجسمیة الخارجیة إلی النعم التوفیقیة، فلأن المراد بالتوفیقیة هو التآلف
بین إرادة العبد و بین قضاء اللّه و قدره، بشرط کون المراد و المقضی سعادة.
و بعبارة أخری: هو توجیه الأسباب نحو المطلوب. و أما الهدایة، فلها
مراتب: اولاها: الهدایة العامة، و هی إرادة طریق الخیر و تعریفه. و
ثانیتها: الخاصة، و هی الافاضات المتتالیة الواردة من