الشهادة و فی الآخرة عالم
الغیب، و عالم الشهادة تابع لعالم الغیب، کما أن الصورة فی المرآة تابعة
لصورة الناظر فی المرآة، و هی و إن کانت الثانیة فی رتبة الوجود، إلا انها
فی أمر الرؤیة أولی، لأنک تری صورتک فی المرآة أولا، ثم تری نفسک، فتعرف
بالصورة القائمة بالمرآة صورتک التی هی قائمة بک ثانیا علی سبیل المحاکاة،
فانقلب التابع فی الوجود متبوعا فی حق الرؤیة و المعرفة، و انقلب المتأخر
متقدما. و هذا النوع من الانعکاس و الانتکاس ضرورة هذا العالم. و کذا عالم
الملک و الشهادة یحاکی عالم الغیب و الملکوت، فمن الناس من لا ینظر فی مرآة
عالم الشهادة إلا بنظر الاعتبار، فلا ینظر فی شیء من عالم الملک إلا و
یعبر به إلی عالم الملکوت، فیسمی عبوره عبرة، و قد امر الخلق به، فقیل: فَاعْتَبِرُوا
یا أُولی الابصار [1] و منهم من عمیت بصیرته، فلم یعتبر، فاحتبس فی عالم
الملک و الشهادة، و ستفتح إلی حبسه له أبواب جهنم. و أما الثالث- فاکثر
وجودا منه. و أما الرابع- فدار الدنیا طافحة به، لقصور أکثر الناس عن
ادراک لذة العلم، إما لعدم الذوق، إذ من لم یذق لم یعرف و لم یشتق، إذ
الشوق فرع الذوق، و ذلک إما لقصور فطرتهم و عدم اتصافهم بعد بالصفة التی
بها یستلذ العلم، کالطفل الرضیع الذی لا یدرک لذة العسل، و لا یستلذ إلا
باللبن، فهؤلاء ممن یحیی باطنهم بعد کالطفل. و إما لمرض قلوبهم او موتها
بسبب اتباع الشهوات، کالمریض الذی لا یدرک لذة الشکر، أو المیت الذی سقط
عنه الإدراک، و هؤلاء کالمرضی او الأموات بسبب اتباع الشهوات.
القسم الثانی- الفضائل البدنیة:
و هی أربعة: الصحة، و القوة، و طول العمر، و الجمال.