الأول-
أن یحب انسان إنسانا لذاته، لا لیتوصل به إلی محبوب و مقصود وراءه، بأن
یکون هو فی ذاته محبوبا عنده، بمعنی انه یلتذ برؤیته و معصیته و مشاهدة
اخلاقه، لاستحسانه له، فان کل جمیل لذیذ فی حق من أدرک جماله، و کل لذیذ
محبوب، و اللذة تتبع الاستحسان، و الاستحسان یتبع المناسبة و الموافقة و
الملائمة بین الطباع. ثم ذلک المستحسن، اما أن یکون جمال الصورة، و کمال
العقل، و غزارة العلم، و حسن الأخلاق و الافعال، و کل ذلک یستحسن عند
الطباع السلیمة، و کل مستحسن مستلذ به و محبوب، و من هذا القسم أن یحبه
لأجل مناسبة خفیة معنویة بینهما، فانه قد تستحکم المودة بین شخصین من غیر
حسن فی خلق و خلق، و من دون ملاحة فی صورة، و لا غیرها من الأعضاء، بل
المناسبة باطنة توجب الألفة و الموافقة و المحبة، فان شبه الشیء ینجذب
إلیه بالطبع، و الأشیاء الباطنة خفیة، و لها أسباب دقیقة لیس فی قوة البشر
أن یطلع علیها، و إلی هذا القسم من الحب و الموافقة أشار رسول اللّه (ص)
بقوله: «الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، و ما تناکر منها
اختلف». فالحب نتیجة التناسب الذی هو التعارف، و البغض نتیجة التناکر. و
معلوم ان هذا القسم من الحب لا یدخل فی الحب للّه، بل هو حب بالطبع و شهوة
النفس، لذا یتصور ممن لا یؤمن باللّه، إلا انه ان اتصل به غرض مذموم صار
مذموما، و إلا فهو مباح لا یوصف بمدح و ذم. الثانی- أن یحبه لا لذاته،
بل لینال منه محبوبا وراء ذاته، و کانت لهذا المحبوب فائدة دنیویة. و لا
ریب فی أن کلما هو وسیلة إلی المحبوب محبوب، و عدم کون هذا الحب من جملة
الحب فی اللّه ظاهر. الثالث- أن یحبه لا لذاته، بل لغیره، و ذلک الغیر راجع إلی