و
جودتها، و رداءتها، و ضعفها. ثم کلما کان التجلی و المشاهدة أقوی، کان ما
یترتب علیه من حب اللّه و الانس به أشد و أقوی، و کلما کان الحب و الانس
أزید، کان ما یترتب علیه من البهجة و اللذة أعلی و أقوی، و تبلغ هذه اللذة
مرتبة لا تؤثر علیها لذة أخری من نعیم الجنة، بل ربما بلغت حدا تتأذی من کل
نعیم سوی لقاء اللّه و مشاهدته، فالنعمة و البهجة فی الجنة بقدر حب اللّه،
و حب اللّه بقدر معرفته، فاصل السعادات هی المعرفة التی عبر الشرع عنه ب
(الایمان). فان قیل: اللقاء و المشاهدة ان کانت زیادة کشف للمعرفة حتی
تتحقق بین لذة الرؤیة و لذة المعرفة نسبة، لکانت لذة اللقاء و الرؤیة
قلیلة، و ان کانت اضعاف لذة المعرفة، اذ هی فی الدنیا ضعیفة. فتضاعفها إلی
أی حد فرض لا ینتهی فی القوة، الا ان یستحقر فی جنبها سائر لذات الجنة و
نعیمها قلنا: هذا الاستحقار و التقلیل للذة المعرفة باعثه عدم المعرفة أو
ضعفها، فان من خلا عن المعرفة، أو کانت له معرفة ضعیفة و قلبه مشحون بعلائق
الدنیا لا یدرک لذتها، فمن کملت معرفته و صفت عن علائق الدنیا سریرته،
قویت بهجته و اشتدت لذته بحیث لا توازنها لذة، فان للعارفین فی معرفتهم و
فکرتهم و مناجاتهم للّه- عز و جل- ابتهاجات و لذات لو عرضت علیهم الجنة و
نعیمها فی الدنیا بدلا عنها لم یستبدلوها بها. ثم هذه اللذة مع کمالها لا
نسبة لها أصلا إلی لذة اللقاء و المشاهدة، کما لا نسبة للذة خیال المعشوق
إلی رؤیته، و لا للذة استنشاق روائح الأطعمة الطیبة إلی ذوقها و اکلها، و
لا للذة اللمس بالید إلی لذة الوقاع. و مما یوضح ذلک، ان لذة النظر إلی وجه المعشوق تتفاوت بامور: أحدها- کمال جمال المعشوق و نقصانه.