و المغترون منهم فرق: (فمنهم) من اقتصر من العلم علی علم الکلام و
المجادلة و معرفة آداب المناظرة، لیتفاخر فی اندیة الرجال و یتفوق علی
الاقران و الأمثال، من غیر ان یکون له فی العقائد قدم راسخ او مذهب واحد،
بل یختار تارة ذاک و تارة هذا، و تکون عقیدته کخیط مرسل فی الهواء تفیئه
الریح مرة هکذا و مرة هکذا، و مع ذلک یظن بغروره أنه اعرف الناس و اعلمهم
باللّه و بصفاته. و (منهم) من أقتصر من العلم علی علم النحو و اللغة، او
الشعر او المنطق، و اغتر به و افنی عمره فیها، و زعم ان علم الشریعة و
الحکمة موقوف علیها، و لم یعلم أن ما لیس مطلوبا لذاته و یکون وسیلة إلی ما
هو مقصود لذاته یجب ان یقتصر علیه بقدر الضرورة، و التعمق فیه إلی درجات
لا تتناهی فضول مستغنی عنها، و موجب للحرمان عما هو مقصود لذاته. و
(منهم) من اقتصر علی فن المعاملات من الفقه، المتضمن لکیفیة الحکم و القضاء
بین الناس، و اشتغل باجراء الاحکام، و أعرض عن علم العقائد و الأخلاق، بل
عن فمن العبادات من الفقه، و أهمل تفقد قلبه لیتخلی عن رذائل الأخلاق و
یتحلی بفضائل الملکات و تفقد جوارحه و حفظها عن المعاصی و الزامها الطاعات. و
(منهم) من حصل فن العبادات أیضا، بل احکم العلوم الشرعیة بأسرها و تعمق
فیها و اشتغل، و لکن ترک العلم الإلهی و علم الأخلاق و لم یحفظ الباطن و
الظاهر عن المعاصی و لم یعمرها بالطاعات.