المعرفة،
فان اللذات مختلفة بالنوع أولا، کمخالفة لذة الوقاع و لذة السماع، و لذة
المعرفة و لذة الرئاسة، و کل نوع مختلف بالضعف و القوة، کمخالفة لذة الشبق
المغتلم [1] من الجماع، و لذة الفاتر الشهوة منه، و کمخالفة لذة النظر إلی
الوجه الجمیل و لذة النظر إلی الوجه الاجمل، و مخالفة لذة العلم باللغات و
لذة العلم بالسماویات، و إنما یعرف أقوی اللذتین من اضعفهما بأن یؤثر علیه،
فان المخیر بین النظر إلی صورة جمیلة و بین استنشاق روایح طیبة، اذا اختار
الأول کان عنده الذهن الثانی، و المخیر بین الأکل و اللعب بالشطرنج، اذا
اختار الثانی کانت لذة الغلبة فی الشطرنج أقوی عنده من لذة الأکل، و هذا
معیار فی الکشف عن ترجیح اللذات. و حینئذ نقول: لا ریب فی ان المعانی و
اللذات الباطنة اغلب علی ذوی الکمال من اللذات الظاهرة، فلو خیر الرجل بین
لذة أکل المطاعم الطیبة و لذة الرئاسة و الاستیلاء، فان کان عالی الهمة
کامل العقل، اختار الرئاسة و ترک الأکل، و صبر علی الجوع أیاما کثیرة فضلا
عن مدة قلیلة. نعم، ان کان خسیس الهمة میت القلب، ناقص العقل و البصیرة،
کالصبی و المعتوه، ربما اختار لذة الأکل، و فعل مثله لیس حجة. ثم کما ان
لذة الرئاسة و الکرامة اغلب و أرجح من اللذات الحسیة عند من جاوز نقصان
الصبی و السفاهة، فکذلک لذة المعرفة باللّه و مطالعة جمال الحضرة الربوبیة
الذعنده من لذة الرئاسة، بشرط أن یکون ممن ذاق اللذتین و ادرکهما، فلو کان
ممن لم یذق لذة المعرفة باللّه لم یکن أهلا للترجیح و محلا للکلام، لاختصاص
لذة المعرفة بمن نال رتبتها و ذاقها، و لا یمکن إثبات ذلک عند من لیس له(1) الغلمة- وزان غرفة-: شدة الشهوة. و غلم غلما: من باب تعب، اذا اشتد شبقه. المغتلم: المنقاد للشهوة.