للتشفی و الانتقام، فلا
جرم لذتها فی الغلبة و الانتقام، و غریزة الشهوة لما خلقت لتحصیل الغذاء
الذی به القوام، فلا جرم لذتها فی نیل الغذاء، و کذلک لذة السمع و البصر و
الشم فی الاستماع و الابصار و الاستشمام، و غریزة العقل المسماة بالبصیرة
الباطنیة خلقت لتعلم بها حقائق الأشیاء کلها، فلذتها فی العلم و المعرفة، و
العلم لکونه منتهی الکمال و أخص صفات الربوبیة، یکون أقوی اللذات و
الابتهاجات، و لذلک یرتاح الطبع إذا أثنی علیه بالذکاء و غزارة العلم، لأنه
یستشعر عند سماع الثناء کمال ذاته و جمال علمه، فیعجب بنفسه، و یلتذ به. و
التحقیق: ان الإدراک و النیل الذی هو الکمال لیس إلا العلم، و سائر
الادراکات- اعنی نیل الغلبة و الغذاء و الاسماع و الابصار و الاستشمام- لا
تعد کمالات. ثم لیست لذة کل حلو واحدة، فان لذة العلم بالحراثة و الخیاطة و
الحیاکة لیست کلذة العلم بسیاسة الملک و تدبیر أمور الخلق، و لا لذة العلم
بالنحو و الشعر و التواریخ کلذة العلم باللّه و بصفاته و ملائکته و ملکوت
السماوات و الأرض، بل لذة العلم بقدر شرف العلم، و شرف العلم بقدر شرف
المعلوم، فان کان فی المعلومات ما هو الأشرف و الأجل و الأعظم و الأکمل،
فالعلم به ألذ العلوم و اشرفها و اکملها و اطیبها، و لیت شعری هل فی الوجود
شیء أعلی و أجمل و أشرف و اکمل من خالق الأشیاء کلها و قیومها، و مکملها و
مربیها، و مبدئها و معیدها، و مدبرها و مرتبها؟! و هل یتصور أن یکون أحد
فی الملک و الکمال و العظمة و الجلال و القدرة و الجمال و الکبریاء و
البهاء أعظم ممن ذاته فی صفات الکمال و نعوت الجلال فوق التمام، و قدرته و
عظمته و ملکه و علمه غیر متناهیة؟ فان کنت لا تشک فی ذلک، فینبغی الا تشک
فی أن لذة المعرفة به أقوی من سائر اللذات لمن له البصیرة الباطنة و غریزة